أخرى وليست التي تحول إليها المسلمون إلّا جهة الكعبة فدل على أنهم كانوا يستقبلون بيت المقدس وبذلك جاءت الآثار. والأحاديث الصحيحة في هذا ثلاثة ، أولها وأصحها حديث «الموطأ» عن ابن دينار عن ابن عمر «بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت فقال إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد أنزل عليه الليلة [قرآن] (١) وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة» ورواه أيضا البخاري من طريق مالك ، ومسلم من طريق مالك ومن طريق عبد العزيز بن مسلم وموسى بن عقبة ، وفيه أن نزول آية تحويل القبلة كان قبل صلاة الصبح وأنه لم يكن في أثناء الصلاة وأنه صلى الصبح للكعبة وهذا الحديث هو أصل الباب وهو فصل الخطاب.
ثانيها : حديث مسلم عن أنس بن مالك وفيه «فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا ركعة فنادى ألا إن القبلة قد حوّلت فمالوا كما هم نحو القبلة».
الثالث حديث البخاري ومسلم واللفظ للبخاري في كتاب التفسير عن البراء بن عازب قال كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، وكان رسول الله يحب أن يوجه إلى الكعبة فأنزل الله تعالى (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) [البقرة : ١٤٤] فتوجه نحو الكعبة ـ ثم قال ـ فصلى مع النبي رجل ثم خرج بعد ما صلى فمر على قوم من الأنصار في صلاة العصر يصلون نحو بيت المقدس فقال : هو يشهد أنه صلى مع رسول الله وأنه توجه نحو الكعبة فتحرف القوم حتى توجهوا نحو الكعبة» ، وحمل ذكر صلاة الصبح في روايتي ابن عمر وأنس بن مالك وذكر صلاة العصر في رواية البراء كلّ على أهل مكان مخصوص ، وهنالك آثار أخرى تخالف هذه لم يصح سندها ذكرها القرطبي. فتحويل القبلة كان في رجب سنة اثنتين من الهجرة قبل بدر بشهرين وقيل يوم الثلاثاء نصف شعبان منها.
واختلفوا في أن استقباله صلىاللهعليهوسلم بيت المقدس هل كان قبل الهجرة أو بعدها؟ فالجمهور على أنه لما فرضت عليه الصلاة بمكة كان يستقبل الكعبة فلما قدم المدينة استقبل بيت المقدس تألّفا لليهود قاله بعضهم وهو ضعيف ، وقيل كان يستقبل بيت المقدس وهو في
__________________
(١) زيادة من الموطا (١ / ١٩٥) تحقيق عبد الباقي ، كتاب القبلة باب ما جاء في القبلة ، ومن صحيح البخاري ، انظر فتح الباري ، (١ / ٥٠٦) ، دار المعرفة ، كتاب الصلاة ، (٣٢) باب ما جاء في القبلة ، وهذه الزيادة ليست في صحيح مسلم وهو من رواته كما سيذكر المصنف.