وَالْهُدى) [البقرة : ١٥٩] والكتاب المذكور هنا هو الكتاب المعهود من السياق وهو كتاب (الَّذِينَ يَكْتُمُونَ) ، فيشبه أن تكون (أل) عوضا عن المضاف إليه ، والذين يكتمونه هم اليهود والنصارى أي يكتمون البشارة بمحمد صلىاللهعليهوسلم ويكتمون بعض الأحكام التي بدلوها.
وقوله : (وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) تقدم تفسيره عند قوله تعالى : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) [البقرة : ٤١] وهو المال الذي يأخذونه من الناس جزاء على إفتائهم بما يلائم هواهم مخالفا لشرعهم أو على الحكم بذلك ، فالثمن يطلق على الرشوة لأنها ثمن يدفع عوضا عن جور الحاكم وتحريف المفتي.
وقوله : (أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) جيء باسم الإشارة لإشهارهم لئلا يخفى أمرهم على الناس وللتنبيه على أن ما يخبر به عن اسم الإشارة استحقوه بسبب ما ذكر قبل اسم الإشارة ، كما تقدم في قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥] ، وهو تأكيد للسببية المدلول عليها بالموصول ، وفعل (يَأْكُلُونَ) مستعار لأخذ الرّشا المعبر عنها بالثمن والظاهر أنه مستعمل في زمان الحال ، أي ما يأكلون وقت كتمانهم واشترائهم إلّا النار لأنه الأصل في المضارع.
والأكل مستعار للانتفاع مع الإخفاء ، لأن الأكل انتفاع بالطعام وتغييب له فهو خفي لا يظهر كحال الرشوة ، ولما لم يكن لآكل الرشوة على كتمان الأحكام أكل نار تعين أن في الكلام مجازا ، فقيل هو مجاز عقلي في تعلق الأكل بالنار وليست هي له وإنما له سببها أعني الرشوة ، قال التفتازاني : وهو الذي يوهمه ظاهر كلام «الكشاف» لكنه صرح أخيرا بغيره ، وقيل هو مجاز في الطّرف بأن أطلق لفظ النار على الرشوة إطلاقا للاسم على سببه قال التفتازاني : وهو الذي صرح به في «الكشاف» ونظّره بقول الأعرابي يوبخ امرأته وكان يقلاها :
أكلت دما إن لم أرعك بضرّة |
|
بعيدة مهوى القرط طيبة النّشر |
أراد الحلف بطريقة الدعاء على نفسه أن يأكل دما أي دية دم فقد تضمن الدعاء على نفسه بقتل أحد أقاربه وبذهاب مروءته ، لأنهم كانوا يتعيرون بأخذ الدية عن القتيل ولا يرضون إلّا بالقود.
واختار عبد الحكيم أنه استعارة تمثيلية شبهت الهيئة الحاصلة من أكلهم الرّشا بالهيئة المنتزعة من أكلهم النار وأطلق المركب الدال على الهيئة المشبه بها على الهيئة المشبهة.