بأن يذهب به إليه ولا يكلفه الحضور بنفسه لقبضه أو إرسال من يقبضه ، وفيه إشارة إلى أنه لا يمطله ، وزاد ذلك تقريرا بقوله : (بِإِحْسانٍ) أي دون غضب ولا كلام كريه أو جفاء معاملة.
وقوله : (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ) إشارة إلى الحكم المذكور وهو قبول العفو وإحسان الأداء والعدول عن القصاص ، تخفيف من الله على الناس فهو رحمة منه أي أثر رحمته ، إذ التخفيف في الحكم أثر الرحمة ، فالأخذ بالقصاص عدل والأخذ بالعفو رحمة.
ولما كانت مشروعية القصاص كافية في تحقيق مقصد الشريعة في شرع القصاص من ازدجار الناس عن قتل النفوس وتحقيق حفظ حق المقتول بكون الخيرة للولي كان الإذن في العفو إن تراضيا عليه رحمة من الله بالجانبين ، فالعدل مقدم والرحمة تأتي بعده.
قيل : إن الآية أشارت إلى ما كان في الشريعة الإسرائيلية من تعيين القصاص من قاتل العمد دون العفو ودون الدية كما ذكره كثير من المفسرين وهو في «صحيح البخاري» عن ابن عباس ، وهو ظاهر ما في سفر الخروج الإصحاح الثالث : «من ضرب إنسانا فمات يقتل قتلا ولكن الذي لم يتعمد بل أوقع الله في يده فأنا أجعل لك مكانا يهرب إليه وإذا بغى إنسان على صاحبه ليقتله بغدر فمن عند مذبحي تأخذه للموت» ، وقال القرطبي : إن حكم الإنجيل العفو مطلقا والظاهر أن هذا غير ثابت في شريعة عيسى ، لأنه ما حكى الله عنه إلّا أنه قال : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) [آل عمران : ٥٠] ، فلعله مما أخذه علماء المسيحية من أمره بالعفو والتسامح لكنه حكم تنزه شرائع الله عنه لإفضائه إلى انخرام نظام العالم ، وشتان بين حال الجاني بالقتل في الإسلام يتوقع القصاص ويضع حياته في يد ولي دم المقتول فلا يدري أيقبل الصلح أم لا يقبل ، وبين ما لو كان واثقا بأنه لا قصاص عليه فإن ذلك يجرئه على قتل عدوه وخصمه.
(فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ).
تفريع عن حكم العفو لأن العفو يقتضي شكر الله على أن أنجاه بشرع جواز العفو وبأن سخر الولي للعفو ، ومن الشكر ألّا يعود إلى الجناية مرة أخرى ، فإن عاد فله عذاب أليم ، وقد فسر الجمهور العذاب الأليم بعذاب الآخرة والمراد تشديد العذاب عليه كقوله تعالى : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) [المائدة : ٩٥] ، ثم له من حكم العفو والدية ما للقاتل ابتداء عندهم ، وفسره بعضهم بعذاب الدنيا أعني القتل فقالوا : إن عاد المعفو عنه إلى