نظم الآية مؤذنا بأن الله تعالى بعد أن أمرهم بما يجب له عليهم أكرمهم فقال : وإذا سألوا عن حقهم عليّ فإني قريب منهم أجيب دعوتهم ، وجعل هذا الخير مرتبا على تقدير سؤالهم إشارة إلى أنهم يهجس هذا في نفوسهم بعد أن يسمعوا الأمر بالإكمال والتكبير والشكر أن يقولوا : هل لنا جزاء على ذلك؟ وأنهم قد يحجمون عن سؤال النبي صلىاللهعليهوسلم عن ذلك أدبا مع الله تعالى فلذلك قال تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ) الصريح بأن هذا سيقع في المستقبل. واستعمال مثل هذا الشرط مع مادة السؤال لقصد الاهتمام بما سيذكر بعده استعمال معروف عند البلغاء قال علقمة :
فإن تسألوني بالنّساء فإنّني |
|
خبير بأدواء النساء طبيب |
والعلماء يفتتحون المسائل المهمة في كتبهم بكلمة (فإن قلت) وهو اصطلاح «الكشاف». ويؤيد هذا تجريد الجواب من كلمة قل التي ذكرت في مواقع السؤال من القرآن نحو (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ) [البقرة : ١٨٩] ، (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) [البقرة : ٢٢٠] ، مع ما في هذا النظم العجيب من زيادة إخراج الكلام في صورة الحكم الكلي إذ جاء بحكم عام في سياق الشرط فقال (سَأَلَكَ عِبادِي) وقال : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) ولو قيل وليدعوني فأستجيب لهم لكان حكما جزئيا خاصا بهم ، فقد ظهر وجه اتصال الآية بالآيات قبلها ومناسبتها لهن وارتباطها بهن من غير أن يكون هنالك اعتراض جملة.
وقيل إنها جملة معترضة اقترنت بالواو بين أحكام الصيام للدلالة على أن الله تعالى مجازيهم على أعمالهم وأنه خبير بأحوالهم ، قيل إنه ذكر الدعاء هنا بعد ذكر الشكر للدلالة على أن الدعاء يجب أن يسبقه الثناء.
والعباد الذين أضيفوا إلى ضمير الجلالة هم المؤمنون لأن الآيات كلها في بيان أحكام الصوم ولوازمه وجزائه وهو من شعار المسلمين ، وكذلك اصطلاح القرآن غالبا في ذكر العباد مضافا لضمير الجلالة ، وأما قوله تعالى : (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ) [الفرقان : ١٧] بمعنى المشركين فاقتضاه أنه في مقام تنديمهم على استعبادهم للأصنام.
وإنما قال تعالى : (فَإِنِّي قَرِيبٌ) ولم يقل : فقل لهم إني قريب إيجازا لظهوره من قوله: (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي) ، وتنبيها على أن السؤال مفروض غير واقع منهم بالفعل، وفيه لطيفة قرآنية وهي إيهام أن الله تعالى تولّى جوابهم عن سؤالهم بنفسه إذ حذف في اللفظ ما يدل على وساطة النبي صلىاللهعليهوسلم تنبيها على شدة قرب العبد من ربه في مقام الدعاء.