لأن المسئول عنه يهم جميع السامعين أثناء تشريع الأحكام ؛ ولأن من تمام ضبط النظام أن يكون المسئول عنه قد شاع بين الناس واستشرف كثير منهم لمعرفته سواء في ذلك من سأل بالقول ومن سأل في نفسه.
وذكر فوائد خلق الأهلة في هذا المقام للإيماء إلى أن الله جعل للحج وقتا من الأشهر لا يقبل التبديل وذلك تمهيدا لإبطال ما كان في الجاهلية من النسيء في أشهر الحج في بعض السنين.
والسؤال : طلب أحد من آخر بذل شيء أو إخبارا بخبر ، فإذا كان طلب بذل عدّي فعل السؤال بنفسه وإذا كان طلب إخبار عدي الفعل بحرف «عن» أو ما ينوب منابه.
وقد تكررت في هذه السورة آيات مفتتحة ب (يَسْئَلُونَكَ) وهي سبع آيات غير بعيد بعضها عن بعض ، جاء بعضها غير معطوف بحرف العطف وهي أربع وبعضها معطوفا به وهي الثلاث الأواخر منها ، وأما غير المفتتحة بحرف العطف فلا حاجة إلى تبيين تجردها عن العاطف ؛ لأنها في استئناف أحكام لا مقارنة بينها وبين مضمون الجمل التي قبلها فكانت جديرة بالفصل دون عطف ، ولا يتطلب لها سوى المناسبة لمواقعها. وأما الجمل الثلاث الأواخر المفتتحة بالعاطف فكل واحدة منها مشتملة على أحكام لها مزيد اتصال بمضمون ما قبلها فكان السؤال المحكي فيها مما شأنه أن ينشأ عن التي قبلها فكانت حقيقة بالوصل بحرف العطف كما سيتضح في مواقعها.
والسؤال عن الأهلة لا يتعلق بذواتها إذ الذوات لا يسأل إلا عن أحوالها ، فيعلم هنا تقدير وحذف أي عن أحوال الأهلة ، فعلى تقدير كون السؤال واقعا بها غير مفروض فهو يحتمل السؤال عن الحكمة ويحتمل السؤال عن السبب ، فإن كان عن الحكمة فالجواب بقوله : (قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ) جار على وفق السؤال ، وإلى هذا ذهب صاحب «الكشاف» ، ولعل المقصود من السؤال حينئذ استثبات كون المراد الشرعي منها موافقا لما اصطلحوا عليه ؛ لأن كونها مواقيت ليس مما يخفى حتى يسأل عنه ، فإنه متعارف لهم ، فيتعين كون المراد من سؤالهم إن كان واقعا هو تحقق الموافقة للمقصد الشرعي.
وإن كان السؤال عن السبب فالجواب بقوله : (قُلْ هِيَ مَواقِيتُ) غير مطابق للسؤال ، فيكون إخراجا للكلام على خلاف مقتضى الظاهر بصرف السائل إلى غير ما يتطلب ، تنبيها على أن ما صرف إليه هو المهم له ، لأنهم في مبدأ تشريع جديد والمسئول هو الرسول عليه الصلاة والسلام وكان المهم لهم أن يسألوه عما ينفعهم في صلاح دنياهم