وأن الحمس هم الذين كانوا يدخلون البيوت من ظهورها ، وأقول : الصحيح من ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب قال : كانت الأنصار إذا حجوا فجاءوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها فجاء رجل فدخل من بابه فكأنّه عبّر بذلك هذه الآية ، ورواية السدي وهم ، وليس في الصحيح ما يقتضي أن رسول الله أمر بذلك ولا يظن أن يكون ذلك منه ، وسياق الآية ينافيه.
وقوله : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى) القول فيه كالقول في قوله تعالى : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [البقرة : ١٧٧].
و (اتَّقى) فعل منزل منزلة اللازم ؛ لأن المراد به من اتصف بالتقوى الشرعية بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات.
وجرّ (بِأَنْ تَأْتُوا) بالباء الزائدة لتأكيد النفي بليس ، ومقتضى تأكيد النفي أنهم كانوا يظنون أن هذا المنفي من البر ظنا قويا فلذلك كان مقتضى حالهم أن يؤكّد نفي هذا الظن.
وقوله : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) معطوف على جملة (وَلَيْسَ الْبِرُّ) عطف الإنشاء على الخبر الذي هو في معنى الإنشاء ؛ لأن قوله : (لَيْسَ الْبِرُّ) في معنى النهي عن ذلك فكان كعطف أمر على نهي.
وهذه الآية يتعين أن تكون نزلت في سنة خمس حين أزمع النبي صلىاللهعليهوسلم الخروج إلى العمرة في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة والظاهر أن رسول الله نوى أن يحج بالمسلمين إن لم يصده المشركون ، فيحتمل أنها نزلت في ذي القعدة أو قبله بقليل.
وقرأ الجمهور «البيوت» في الموضعين في الآية بكسر الباء على خلاف صيغة جمع فعل على فعول فهي كسرة لمناسبة وقوع الياء التحتية بعد حركة الضم للتخفيف كما قرءوا (عُيُونٍ) [الحجر : ٤٥]. وقرأه أبو عمرو وورش عن نافع وحفص عن عاصم وأبو جعفر بضم الباء على أصل صيغة الجمع مع عدم الاعتداد ببعض الثقل ؛ لأنه لا يبلغ مبلغ الثقل الموجب لتغيير الحركة ، قال ابن العربي في «العواصم» : والذي أختاره لنفسي إذا قرأت أكسر الحروف المنسوبة إلى قالون إلّا الهمزة فإني أتركه أصلا إلّا فيما يحيل المعنى أو يلبسه ولا أكسر باء بيوت ولا عين عيون ، وأطال بما في بعضه نظر ، وهذا اختيار لنفسه بترجيح بعض القراءات المشهورة على بعض.