ولما علم أن الله لا يصل إليه الناس تعيّن أن يكون المراد من الطريق العمل الموصل إلى مرضاة الله وثوابه ، فهو مجاز في اللفظ ومجاز في الإسناد ، وقد غلب (سبيل الله) في اصطلاح الشرع في الجهاد. أي القتال للذب عن دينه وإعلاء كلمته ، و (في) للظرفية لأن النفقة تكون بإعطاء العتاد ، والخيل ، والزاد ، وكل ذلك مظروف للجهاد على وجه المجاز وليست (في) هنا مستعملة للتعليل.
وقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) عطف غرض على غرض ، عقّب الأمر بالإنفاق في سبيل الله بالنهي عن الأعمال التي لها عواقب ضارة إبلاغا للنصيحة والإرشاد لئلا يدفع بهم يقينهم بتأييد الله إياهم إلى التفريط في وسائل الحذر من غلبة العدو ، فالنهي عن الإلقاء بالنفوس إلى التهلكة يجمع معنى الأمر بالإنفاق وغيره من تصاريف الحرب وحفظ النفوس ، ولذلك فالجملة فيها معنى التذييل وإنما عطفت ولم تفصل باعتبار أنها غرض آخر من أغراض الإرشاد.
والإلقاء رمي الشيء من اليد وهو يتعدى إلى مفعول واحد بنفسه وإلى المرمى إليه بإلى وإلى المرمى فيه بفي.
والظاهر أن الأيدي هي المفعول إذ لم يذكر غيره ، وأن الباء زائدة لتوكيد اتصال الفعل بالمفعول كما قالوا للمنقاد «أعطى بيده» أي أعطى يده لأن المستسلم في الحرب ونحوه يشد بيده ، فزيادة الباء كزيادتها في (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) [مريم : ٢٥] وقول النابغة :
لك الخير إن وارت بك الأرض واحدا
والمعنى ولا تعطوا الهلاك أيديكم فيأخذكم أخذ الموثق ، وجل التهلكة كالآخذ والآسر استعارة بجامع الإحاطة بالملقى ، ويجوز أن تجعل اليد مع هذا مجازا عن الذات بعلاقة البعضية لأن اليد أهم شيء في النفس في هذا المعنى ، وهذا في الأمرين كقول لبيد :
حتّى إذا ألقت يدا في كافر
أي ألقت الشمس نفسها. وقيل الباء سببية والأيدي مستعملة في معنى الذات كناية عن الاختيار والمفعول محذوف أي لا تلقوا أنفسكم إلى التهلكة باختياركم.
والتهلكة بضم اللام اسم مصدر بمعنى الهلاك ، وإنما كان اسم مصدر لأنه لم يعهد