وهو عموم عرفي بحسب ما يصلح له كل سائل من الحسنتين.
وإنما زاد في الدعاء (وَقِنا عَذابَ النَّارِ) لأن حصول الحسنة في الآخرة قد يكون بعد عذاب ما فأريد التصريح في الدعاء بطلب الوقاية من النار.
وقوله : (أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا) إشارة إلى الفريق الثاني ، والنصيب : الحظ المعطى لأحد في خير أو شر قليلا كان أو كثيرا ووزنه على صيغة فعيل ، ولم أدر أصل اشتقاقه فلعلهم كانوا إذا عينوا الحظ لأحد ينصب له ويظهر ويشخص ، وهذا ظاهر كلام الزمخشري في «الأساس» والراغب في «مفردات القرآن» أو هو اسم جاء على هذه الصيغة ولم يقصد منه معنى فاعل ولا معنى مفعول ، وإطلاق النصيب على الشقص المشاع في قولهم نصيب الشفيع مجاز بالأول.
واعلم أنه وقع في «لسان العرب» في مادة (كفل) أنه لا يقال هذا نصيب فلان حتى يكون قد أعد لغيره فإذا كان مفردا فلا يقال نصيب وهذا غريب لم أره لغيره سوى أن الفخر نقل مثله عن ابن المظفر عند قوله تعالى : (يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها) في [سورة النساء : ٨٥]. ووقع في كلام الزجاج وابن عطية في تفسير قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) [الأنعام : ١٣٦] قال الزجاج تقدير الكلام جعلوا لله نصيبا ولشركائهم نصيبا ، وقال ابن عطية قولهم جعل من كذا وكذا نصيبا يتضمن بقاء نصيب آخر ليس بداخل في حكم الأول ا ه.
وهذا وعد من الله تعالى بإجابة دعاء المسلمين الداعين في تلك المواقف المباركة إلّا أنه وعد بإجابة شيء مما دعوا به بحسب ما تقتضيه أحوالهم وحكمة الله تعالى ، وبألا يجر إلى فساد عام لا يرضاه الله تعالى فلذلك نكر (نصيب) ليصدق بالقليل والكثير وأما إجابة الجميع إذا حصلت فهي أقوى وأحسن. وكسبوا بمعنى طلبوا ، لأن كسب بمعنى طلب ما يرغب فيه. ويجوز أن يراد بالكسب هنا العمل وبالنصيب نصيب الثواب فتكون (من) ابتدائية.
واسم الإشارة مشير إلى الناس الذين يقولون : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) للتنبيه باسم الإشارة على أن اتصافهم بما بعد اسم الإشارة شيء استحقوه بسبب الإخبار عنهم بما قبل اسم الإشارة ، أي إن الله استجاب لهم لأجل إيمانهم بالآخرة فيفهم منه أن دعاء الكافرين في ضلال.