تفصيله تفصيلا ينبه إلى ما ليس بمحمود ، والمقسم إلى الفريقين جميع الناس من المسلمين والمشركين ؛ لأن الآية نزلت قبل تحجير الحج على المشركين بآية براءة ، فيتعين أن المراد بمن ليس له في الآخرة من خلاق هم المشركون ؛ لأن المسلمين لا يهملون الدعاء لخير الآخرة ما بلغت بهم الغفلة ، فالمقصود من الآية التعريض بذم حالة المشركين ، فإنهم لا يؤمنون بالحياة الآخرة.
وقوله : (آتِنا) ترك المفعول الثاني لتنزيل الفعل منزلة ما لا يتعدى إلى المفعول الثاني لعدم تعلق الغرض ببيانه أي أعطنا عطاء في الدنيا ، أو يقدر المفعول بأنه الإنعام أو الجائزة أو محذوف لقرينة قوله : (حَسَنَةً) فيما بعد ، أي (آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً).
و «الخلاق» بفتح الخاء الحظ من الخير والنفيس مشتق من الخلاقة وهي الجدارة ، يقال خلق بالشيء بضم اللام إذا كان جديرا به ، ولما كان معنى الجدارة مستلزما نفاسة ما به الجدارة دل ما اشتق من مرادفها على النفاسة سواء قيد بالمجرور كما هنا أم أطلق كما في قولهصلىاللهعليهوسلم : «إنما يلبس هذه من خلاق له» أي من الخير وقول البعيث بن حريث :
ولست وإن قرّبت يوما ببائع |
|
خلاقي ولا ديني ابتغاء التّحبّب |
وجملة (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) معطوفة على جملة (مَنْ يَقُولُ) فهي ابتدائية مثلها ، والمقصود : إخبار الله تعالى عن هذا الفريق من الناس أنه لا حظ له في الآخرة ، لأن المراد من هذا الفريق الكفار ، فقد قال ابن عطية : كانت عادتهم في الجاهلية ألا يدعوا إلّا بمصالح الدنيا إذ كانوا لا يعرفون الآخرة.
ويجوز أن تكون الواو للحال ، والمعنى من يقول ذلك في حال كونه لا حظ له في الآخرة ولعل الحال للتعجيب.
و (حَسَنَةً) أصلها صفة لفعلة أو خصلة ، فحذف الموصوف ونزل الوصف منزلة الاسم مثل تنزيلهم الخير منزلة الاسم مع أن أصله شيء موصوف بالخيرية ، ومثل تنزيل صالحة منزلة الاسم في قول الحطيئة :
كيف الهجاء وما تنفك صالحة |
|
من آل لأم بظهر الغيب تأتيني |
ووقعت حسنة في سياق الدعاء فيفيد العموم ، لأن الدعاء يقصد به العموم كقول الحريري :
يا أهل ذا المغني وقيتم ضرّا