(أشد) معطوفا على (ذكر) المجرور بالكاف من قوله : (كَذِكْرِكُمْ) ولا يمنع من ذلك ما قيل من امتناع العطف على المجرور بدون إعادة الجار لأن ذلك غير متفق عليه بين أئمة النحو ، فالكوفيون لا يمنعونه ووافقهم بعض المتأخرين مثل ابن مالك وعليه قراءة حمزة (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) [النساء : ١] بجر الأرحام وقد أجاز الزمخشري هنا وفي قوله تعالى : (كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) في [سورة النساء : ٧٧] أن يكون العطف على المجرور بالحرف بدون إعادة الجار ، وبعض النحويين جوزه فيما إذا كان الجر بالإضافة لا بالحرف كما قاله ابن الحاجب في «إيضاح المفصل» ، وعليه ففتحة (أَشَدَّ) نائبة عن الكسرة ، لأن أشد ممنوع من الصرف وعلى هذا الوجه فانتصاب (ذِكْراً) على التمييز على نحو ما تقدم في الوجه الأول عن سيبويه والزجاج.
ولصاحب «الكشاف» تخريجان آخران لإعراب (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) فيهما تعسف دعاه إليهما الفرار من ترادف التمييز والمميز ، ولابن جني تبعا لشيخه أبي علي تخريج آخر ، دعاه إليه مثل الذي دعا الزمخشري وكان تخريجه أشد تعسفا ذكره عنه ابن المنير في «الانتصاف» ، وسلكه الزمخشري في تفسير آية سورة النساء.
وهذه الآية من غرائب الاستعمال العربي ، ونظيرتها آية سورة النساء ، قال الشيخ ابن عرفة في «تفسيره» «وهذه مسألة طويلة عويصة ما رأيت من يفهمها من الشيوخ إلّا ابن عبد السلام وابن الحباب وما قصر الطيبي فيها وهو الذي كشف القناع عنها هنا وفي قوله تعالى في [سورة النساء : ٧٧] (يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) وكلامه في تلك الآية هو الذي حمل التونسيين على نسخه ؛ لأني كنت عند ابن عبد السلام لما قدم الواصل بكتاب الطيبي فقلت له : ننظر ما قال : في (أَشَدَّ خَشْيَةً) فنظرناه فوجدنا فيه زيادة على ما قال الناس فحض الشيخ إذ ذاك على نسخها ا ه».
وقوله : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) إلخ ، الفاء للتفصيل ؛ لأن ما بعدها تقسيم لفريقين من الناس المخاطبين بقوله : (فَاذْكُرُوا اللهَ) إلخ فقد علم السامعون أن الذكر يشمل الدعاء ؛ لأنه من ذكر الله وخاصة في مظان الإجابة من الزمان والمكان ، لأن القاصدين لتلك البقاع على اختلاف أحوالهم ما يقصدون إلّا تيمنا ورجاء فكان في الكلام تقدير كأنه قيل : فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا وادعوه ، ثم أريد تفصيل الداعين للتنبيه على تفاوت الذين تجمعهم تلك المناسك ، وإنما لم يفعل الذكر الأعم من الدعاء ، لأن الذكر الذي ليس بدعاء لا يقع إلّا على وجه واحد وهو تمجيد الله والثناء عليه فلا حاجة إلى