بأبصارهم في الآخرة إلّا إتيان أمر الله والملائكة ، لأن الواقع أن الأبصار تنظر غير ذلك ، إلّا أن يراد أن رؤيتهم غير ذلك كالعدم لشدة هول إتيان أمر الله ، فيكون قصرا ادعائيا ، أو تسلب أبصارهم من النظر لغير ذلك.
وهذا المركب ليس مستعملا فيما وضع له من الإنكار بل مستعملا إما في التهديد والوعيد وهو الظاهر الجاري على غالب الوجوه المتقدمة في الضمير ، وإما في الوعد إن كان الضمير لمن يشري نفسه ، وإما في القدر المشترك وهو العدة بظهور الجزاء إن كان الضمير راجعا للفريقين ، وإما في التهكم إن كان المقصود من الضمير المنافقين اليهود أو المشركين ، فأما اليهود فإنهم كانوا يقولون لموسى (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) [البقرة : ٥٥]. ويجوز على هذا أن يكون خبرا عن اليهود : أي إنهم لا يؤمنون ويدخلون في السلم حتى يروا الله تعالى في ظلل من الغمام على نحو قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) [البقرة : ١٤٥].
وأما المشركون فإنهم قد حكى الله عنهم : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) إلى قوله (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) [الإسراء : ٩٠ ، ٩٢] ، وسيجيء القول مشبعا في موقع هذا التركيب ومعناه عند الكلام على قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) في سورة البقرة.
و (الظلل) بضم ففتح اسم جمع ظلة ، والظلة تطلق على معان والذي تلخص لي من حقيقتها في اللغة أنها اسم لشبه صفّة مرتفعة في الهواء تتصل بجدار أو ترتكز على أعمدة يجلس تحتها لتوقي شعاع الشمس ، فهي مشتقة من اسم الظّل جعلت على وزن فعلة بمعنى مفعولة أو مفعول بها مثل القبضة بضم القاف لما يقبض باليد.
والغرفة بضم الغين لما يغترف باليد كقوله تعالى : (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) [البقرة : ٢٤٩] في قراءة بعض العشرة بضم الغين.
وهي هنا مستعارة أو مشبه بها تشبيها بليغا : السحابات العظيمة التي تشبه كل سحابة منها ظلة القصر.
و (مِنَ الْغَمامِ) بيان للمشبه وهو قرينة الاستعارة ونظيره قوله تعالى : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) [الزمر : ١٦].
والإتيان حضور الذات في موضع من موضع آخر سبق حصولها فيه وأسند الإتيان