فإن زللتم فالله لا يفلتكم لأنه عزيز حكيم ، وعدم الإفلات يشتمل على إتيان أمر الله والملائكة ، وإن كان الضمير عائدا إلى اليهود فهو توبيخ لهم على مكابرتهم عن الاعتراف بحقية الإسلام. وعلى كل الاحتمالات التي لا تتنافى فقد جاء نظم قوله (هَلْ يَنْظُرُونَ) بضمير الجمع نظما جامعا للمحامل كلها مما هو أثر من آثار إعجاز هذا الكلام المجيد الدال على علم الله تعالى بكل شيء.
وحرف (هل) مفيد الاستفهام ومفيد التحقيق ويظهر أنه موضوع للاستفهام عن أمر يراد تحقيقه ، فلذلك قال أئمة المعاني إن هل لطلب تحصيل نسبة حكمية تحصل في علم المستفهم وقال الزمخشري في «الكشاف» : إن أصل هل أنها مرادفة قد في الاستفهام خاصة ، يعني قد التي للتحقيق وإنما اكتسبت إفادة الاستفهام من تقدير همزة الاستفهام معها كما دل عليه ظهور الهمزة في قول زيد الخيل :
سائل فوارس بربوع بشدّتنا |
|
أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم |
وقال في «المفصل» : وعن سيبويه أن هل بمعنى قد إلّا أنهم تركوا الألف قبلها ؛ لأنها لا تقع إلّا في الاستفهام ا ه. يعني أن همزة الاستفهام التزم حذفها للاستغناء عنها بملازمة هل للوقوع في الاستفهام ، إذ لم يقل أحد أن هل ترد بمعنى قد مجردة عن الاستفهام فإن مواردها في كلام العرب وبالقرآن يبطل ذلك ونسب ذلك إلى الكسائي والفراء والمبرد في قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) [الإنسان : ١] ولعلهم أرادوا تفسير المعنى لا تفسير الإعراب ولا نعرف في كلام العرب اقتران هل بحرف الاستفهام إلّا في هذا البيت ولا ينهض احتجاجهم به لإمكان تخريجه على أنه جمع بين حرفي استفهام على وجه التأكيد كما يؤكد الحرف في بعض الكلام كقول مسلم بن معبد الوالبيّ :
فلا والله لا يلقى لما بي |
|
ولا للما بهم أبدا دواء |
فجمع بين لامي جر ، وأيّا ما كان فإن هل تمحضت لإفادة الاستفهام في جميع مواقعها ، وسيأتي هذا في تفسير قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) في سورة الإنسان.
والاستفهام إنكاري لا محالة بدليل الاستثناء ، فالكلام خبر في صورة الاستفهام. والنظر : الانتظار والترقب يقال نظره بمعنى ترقبه ، لأن الذي يترقب أحدا يوجه نظره إلى صوبه ليرى شبحه عند ما يبدو ، وليس المراد هنا نفي النظر البصري أي لا ينظرون