فعل السؤال عن متعلّقه اختصارا لما دل عليه ما بعده ، أي سلهم عن حالهم في شكر نعمة الله ، فبذلك حصل التقريع. ويكون (كَمْ آتَيْناهُمْ) تدرجا في التقريع بقرينة (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ) ، ولبعد كونها خبرية أنكره أبو حيان على صاحب «الكشاف» وقال إنه يفضي إلى اقتطاع الجملة التي فيها (كَمْ) عن جملة السؤال مع أن المقصود السؤال عن النعم.
و (مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) تمييز (كم) دخلت عليه من التي ينتصب تمييز كم الاستفهاميّة على معناها والتي يجر تمييز كم الخبرية بتقديرها ظهرت في بعض المواضع تصريحا بالمقدّر ، لأن كل حرف ينصب مضمرا يجوز ظهوره إلّا في مواضع مثل إضمار أن بعد حتى ، قال الرضي : إذا فصل بين كم الخبرية والاستفهامية وبين مميزهما بفعل متعد وجب جر التمييز بمن (أي ظاهرة) لئلا يلتبس التمييز بالمفعول نحو قوله تعالى : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) [الدخان : ٢٥] و (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) [القصص : ٥٨] ا ه أي لئلا يلتبس بمفعول ذلك الفعل الفاصل ، أو هو للتنبيه من أول الأمر على أنه تمييز لا مفعول إغاثة لفهم السامع وذلك من بلاغة العرب ، وعندي أن موجب ظهور من في حالة الفصل هو بعد المميّز عن المميّز لا غير ، وقيل : ظهور (من) واجب مع الفصل بالفعل المتعدي ، وجائز مع الفصل بغيره ، كما تقل عبد الحكيم عن اليمني والتفتازانيّ في «شرحي الكشاف».
وفي «الكافية» أن ظهور (من) في مميز (كم) الخبرية والاستفهامية جائز هكذا أطلقه ابن الحاجب ، لكن الرضي قال إنه لم يعثر على شاهد عليه في (كم) الاستفهامية إلّا مع الفصل بالفعل وأما في كم الخبرية فظهور (من) موجود بكثرة بدون الفصل ، والظاهر أن ابن الحاجب لم يعبأ بخصوص الأمثلة التي ذكرها الرضي ، وإنما اعتد بظهور (من) في المميز وهو الظاهر.
و (الآية) هنا المعجزة ودليل صدق الرسل ، أو الكلمات الدالة على مجيء محمدصلىاللهعليهوسلم فإنها آية لموسى ؛ إذ أخبر بها قبل قرون ، وآية لمحمد عليه الصلاة والسلام ، إذ كان التبشير به قبل وجوده بقرون ، ووصفها بالبينة على الاحتمالين مبالغة في الصفة من فعل بان أي ظهر ، فيكون الظهور ظهور العيان على الوجه الأول ، وظهور الدلالة على الوجه الثاني ، وفي هذا السؤال وصيغته حذف دل عليه قوله : (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ) تقديره فبدّلوها ولم يعملوا بها.
وقوله : (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ) تذييل لجملة (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ) إلخ ، أفاد أأن المقصود أولا من هذا الوعيد هم بنو إسرائيل المتحدث عنهم بقوله : (سَلْ بَنِي