في «التسهيل» «ويشاركهن فيه (أي في التعليق) مع الاستفهام ، نظر وتفكّر وأبصر وسأل» ، وذلك كقوله تعالى : (يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) [الذاريات : ١٢] ولما أخذ سأل هنا مفعوله الأول فقد علق عن المفعول الثاني ، فإن سبب التعليق هو أن مضمون الكلام الواقع بعد الحرف الموجب للتعليق ليس حالة من حالات المفعول الأول فلا يصلح لأن يكون مفعولا ثانيا للفعل الطالب مفعولين ، قال سيبويه «لأنه كلام قد عمل بعضه في بعض فلا يكون إلّا مبتدأ لا يعمل فيه شيء قبله» ا ه وذلك سبب لفظي مانع من تسلط العامل على معموله لفظا ، وإن كان لم يزل عاملا فيه معنى وتقديرا ، فكانت الجملة باقية في محل المعمول ، وأداة الاستفهام من بين بقية موجبات التعليق أقوى في إبعادها معنى ما بعدها عن العامل الذي يطلبه ، لأن الكلام معها استفهام ليس من الخبر في شيء ، إلّا أن ما تحدثه أداة الاستفهام من معنى الاستعلام هو معنى طارئ في الكلام غير مقصود بالذات بل هو قد ضعف بوقوعه بعد عامل خبري فصار الاستفهام صوريا ، فلذلك لم يبطل عمل العامل إلّا لفظا ، فقولك : علمت هل قام زيد قد دل علم على أن ما بعده محقق فصار الاستفهام صوريا وصار التعليق دليلا على ذلك ، ولو كان الاستفهام باقيا على أصله لما صح كون جملته معمولة للعامل المعلّق.
قال الرضي : «إن أداة الاستفهام بعد العلم ليست مفيدة لاستفهام المتكلم بها للزوم التناقض بين علمت وأزيد قائم بل هي لمجرد الاستفهام والمعنى علمت الذي يستفهم الناس عنه» ا ه ، فيجيء من كلامه أن قولك علمت أزيد قائم يقوله : من علم شيئا يجهله الناس أو يعتنون بعلمه ، بخلاف قولك علمت زيدا قائما ، وقد يكون الاستفهام الوارد بعد السؤال حكاية للفظ السؤال فتكون جملة الاستفهام بيانا لجملة السؤال قال صدر الأفاضل في قول الحريري «سألناه أنّى اهتديت إلينا» أي سألناه هذا السؤال ا ه. وهو يتأتى في هذه الآية.
ويجوز أن يضمن سل معنى القول ، أي فيكون مفعوله الثاني كلاما فقد أعطي سل مفعولين : أحدهما مناسب لمعنى لفظه والآخر مناسب لمعنى المضمّن.
وجوّز التفتازاني في «شرح الكشاف» أن جملة (كَمْ آتَيْناهُمْ) بيان للمقصود من السؤال ، أي سلهم جواب هذا السؤال ، قال السلكوتي في «حاشية المطول» : فتكون الجملة واقعة موقع المفعول ، أي ولا تعليق في الفعل.
وجوز صاحب «الكشاف» أن تكون (كم) خبرية ، أي فتكون ابتداء كلام وقد قطع