(كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ).
استئناف لبيان أن اختلاف الأديان أمر كان في البشر الحكمة اقتضته وأنه قد ارتفع ذلك ورجع الله بالناس إلى وحدة الدين بالإسلام.
والمناسبة بينها وبين ما تقدمها تحتمل وجوها :
الأول : قال فخر الدين : إن الله تعالى لما بين في قوله : (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا) [البقرة : ٢١٢] أن سبب إصرار الكفار على كفرهم هو استبدالهم الدنيا بالآخرة بين في هذه الآية أن هذه الحالة غير مختصة بالذين كفروا بمحمد صلىاللهعليهوسلم بل كانت حاصلة في الأزمنة المتقادمة لأن الناس كانوا أمة واحدة قائمة على الحق وما كان اختلافهم لسبب البغي والتحاسد في طلب الدنيا ا ه ، فتكون الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لتنظير ما لقيه المسلمون بما كان في الأمم الغابرة.
الثاني : يؤخذ من كلام الطيبي عند قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) [البقرة : ٢١٤] أخذ من كلام «الكشاف» أن المقصود من قوله : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) تشجيع الرسول عليهالسلام والمؤمنين على الثبات والصبر على أذى المشركين بذكر ما قابلت به الأمم السالفة أنبياءها وما لقوا فيها من الشدائد ا ه فالمناسبة على هذا في مدلول قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ) [البقرة : ٢١٢] إلخ ، وتكون الجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا للمناسبة.
والظاهر عندي أن موقع هذه الآية هنا جامع لموقع تذييل لما قبلها ومقدمة لما بعدها.
فأما الأول فلأنها أفادت بيان حالة الأمم الماضية كيف نشأ الخلاف بينهم في الحق مما لأجله تداركهم الله ببعثات الرسل في العصور والأجيال التي اقتضتها حكمة الله ولطفه مما يماثل الحالة التي نشأت فيها البعثة المحمدية وما لقيه الرسول والمسلمون من المشركين.
وأما الثاني فلأنها مقدمة لما يرد بعدها من ذكر اختصاص الإسلام بالهداية إلى الحق الذي اختلفت فيه الأمم وهو مضمون قوله تعالى : (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) إلى قوله : (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وذلك من خصائص كون الإسلام مهيمنا على ما