ولأنها يشربونها لقصد التقوى لقلة هذا القصد من شربها.
وفي سفر اللاويين من التوراة «وكلم الله هارون قائلا : خمرا ومسكرا لا تشرب أنت وبنوك معك عند دخولكم إلى خيمة الاجتماع لكي لا تموتوا. فرضا دهريا في أجيالكم وللتمييز بين المقدس والمحلّل وبين النجس والطاهر».
وشيوع شرب الخمر في الجاهلية معلوم لمن علم أدبهم وتاريخهم فقد كانت الخمر قوام أود حياتهم ، وقصارى لذّاتهم ومسرة زمانهم وملهى أوقاتهم ، قال طرفة :
ولو لا ثلاث هنّ من عيشة الفتى |
|
وجدك لم أحفل متى قام عوّدي |
فمنهن سبقي العاذلات بشربة |
|
كميت متى ما تعل بالماء تزبد |
وعن أنس بن مالك : «حرمت الخمر ولم يكن يومئذ للعرب عيش أعجب منها ، وما حرم عليهم شيء أشد عليهم من الخمر». فلا جرم أن جاء الإسلام في تحريمها بطريقة التدريج فأقر حقبة إباحة شربها وحسبكم في هذا الامتنان بذلك في قوله تعالى : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) [النحل : ٦٧] على تفسير من فسر السّكر بالخمر. وقيل السّكر : هو النبيذ غير المسكر ، والأظهر التفسير الأول. وآية سورة النحل نزلت بمكة ، واتفق أهل الأثر على أن تحريم الخمر وقع في المدينة بعد غزوة الأحزاب بأيام ، أي في آخر سنة أربع أو سنة خمس على الخلاف في عام غزوة الأحزاب. والصحيح الأول ، فقد امتن الله على الناس بأن اتخذوا سكرا من الثمرات التي خلقها لهم ، ثم إن الله لم يهمل رحمته بالناس حتى في حملهم على مصالحهم فجاءهم في ذلك بالتدريج ، فقيل : إن آية سورة البقرة هذه هي أول آية آذنت بما في الخمر من علة التحريم ، وأن سبب نزولها ما تقدم ، فيكون وصفها بما فيها من الإثم والمنفعة تنبيها لهم ، إذ كانوا لا يذكرون إلّا محاسنها فيكون تهيئة لهم إلى ما سيرد من التحريم ، قال البغوي : إنه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله تقدّم في تحريم الخمر» أي ابتدأ يهيئ تحريمها يقال : تقدمت إليك في كذا أي عرضت عليك ، وفي «تفسير ابن كثير» : أنها ممهدة لتحريم الخمر على البتات ولم تكن مصرحة بل معرضة أي معرضة بالكف عن شربها تنزها. وجمهور المفسرين على أن هذه الآية نزلت قبل آية سورة النساء وقبل آية سورة المائدة ، وهذا رأي عمر بن الخطاب كما روى أبو داود ، وروى أيضا عن ابن عباس أنّه رأى أن آية المائدة نسخت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [النساء : ٤٣] ، ونسخت آية (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) ، ونسب لابن عمر والشعبي