الشرع ، فهو ضد القربة فيكون معنى (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) أنهما يتسبب منهما ما هو إثم في حال العربدة وحال الربح والخسارة من التشاجر.
وإطلاق الكبير على الإثم مجاز ، لأنه ليس من الأجسام ، فالمراد من الكبير : الشديد في نوعه كما تقدم آنفا.
وجيء بفي الدالة على الظرفية لإفادة شدة تعلق الإثم والمنفعة بهما ؛ لأن الظرفية أشد أنواع التعلق ، وهي هنا ظرفية مجازية شائعة في كلام العرب ، وجعلت الظرفية متعلقة بذات الخمر والميسر للمبالغة ، والمراد في استعمالهما المعتاد.
واختير التعبير بالإثم للدلالة على أنه يعود على متعاطي شربها بالعقوبة في الدنيا والآخرة.
وقرأ الجمهور (إِثْمٌ كَبِيرٌ) بموحّدة بعد الكاف وقرأه حمزة والكسائي (كثير) بالثاء المثلثة ، وهو مجازا استعير وصف الكثير للشديد تشبيها لقوة الكيفية بوفرة العدد.
والمنافع : جمع منفعة ، وهي اسم على وزن مفعلة وأصله يحتمل أن يكون مصدرا ميميا قصد منه قوة النفع ، لأن المصدر الميمي أبلغ من جهة زيادة المبنى. ويحتمل أن يكون اسم مكان دالا على كثرة ما فيه كقولهم مسبعة ومقبرة أي يكثر فيهما النفع من قبيل قولهم مصلحة ومفسدة ، فالمنفعة على كل حال أبلغ من النفع.
والإثم الذي في الخمر نشأ عما يترتب على شربها تارة من الإفراط فيه والعربدة من تشاجر يجر إلى البغضاء والصد عن سبيل الله وعن الصلاة ، وفيها ذهاب العقل والتعرض للسخرية ، وفيها ذهاب المال في شربها ، وفي الإنفاق على الندامى حتى كانوا ربما رهنوا ثيابهم عند الخمارين قال عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي :
ولسنا بشرب أمّ عمرو إذا انتشوا |
|
ثياب الندامى عندهم كالمغانم |
ولكننا يا أمّ عمرو نديمنا |
|
بمنزلة الريّان ليس بعائم |
وقال عنترة :
وإذا سكرت فإنني مستهلك |
|
مالي وعرضي وافر لم يكلم |
وكانوا يشترون الخمر بأثمان غالية ويعدون المماكسة في ثمنها عيبا ، قال لبيد :
أغلي السّباء بكل أدكن عاتق |
|
أو جونة قدحت وفضّ ختامها |