والمراد من السؤال عن المحيض السؤال عن قربان النساء في المحيض بدلالة الاقتضاء ، وقد علم السائلون ما سألوا عنه والجواب أدل شيء عليه.
والأذى : الضر الذي ليس بفاحش ؛ كما دل عليه الاستثناء في قوله تعالى : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) [آل عمران : ١١١] ، ابتدأ جوابهم عما يصنع الرجل بامرأته الحائض فبين لهم أن الحيض أذى ليكون ما يأتي من النهي عن قربان المرأة الحائض نهيا معلّلا فتتلقاه النفوس على بصيرة وتتهيأ به الأمة للتشريع في أمثاله ، وعبر عنه بأذى إشارة إلى إبطال ما كان من التغليط في شأنه وشأن المرأة الحائض في شريعة التوراة ، وقد أثبت أنه أذى منكّر ولم يبين جهته فتعين أن الأذى في مخالطة الرجل للحائض وهو أذى للرجل وللمرأة وللولد ، فأما أذى الرجل فأوله القذارة وأيضا فإن هذا الدم سائل من عضو التناسل للمرأة وهو يشتمل على بييضات دقيقة يكون منها تخلق الأجنة بعد انتهاء الحيض وبعد أن تختلط تلك البييضات بماء الرجل فإذا انغمس في الدم عضو التناسل في الرجل يتسرب إلى قضيبه شيء من ذلك الدم بما فيه فربما احتبس منه جزء في قناة الذكر فاستحال إلى عفونة تحدث أمراضا معضلة فتحدث بثورا وقروحا لأنه دم قد فسد ويرد أي فيه أجزاء حية تفسد في القضيب فسادا مثل موت الحي فتؤول إلى تعفن.
وأما أذى المرأة فلأن عضو التناسل منها حينئذ بصدد التهيؤ إلى إيجاد القوة التناسلية فإذا أزعج كان إزعاجا في وقت اشتغاله بعمل فدخل عليه بذلك مرض وضعف ، وأما الولد فإن النطفة إذا اختلطت بدم الحيض أخذت البييضات في التخلق قبل إبان صلاحيتها التخلق النافع الذي وقته بعد الجفاف ، وهذا قد عرفه العرب بالتجربة قال أبو كبير الهذلي :
ومبرّإ من كلّ غبّر حيضة |
|
وفساد مرضعة وداء معضل |
(غبر الحيضة جمع غبرة ويجمع على غبر وهي آخر الشيء ، يريد لم تحمل به أمه في آخر مدة الحيض). والأطباء يقولون إن الجنين المتكون في وقت الحيض قد يجىء مجذوما أو يصاب بالجذام من بعد.
وقوله : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) تفريع الحكم على العلة ، والاعتزال التباعد بمعزل وهو هنا كناية عن ترك مجامعتهن ، والمجرور بفي : وقت محذوف والتقدير : في زمن المحيض وقد كثرت إنابة المصدر عن ظرف الزمان كما يقولون آتيك طلوع النجم ومقدم الحاج.