وقال : (كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ) [آل عمران : ١١٧] أي فأهلكت زرعهم.
وقال : (فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) [القلم : ٢٢] يعنون به جنتهم أي صارمين عراجين التمر.
والحرث في هذه الآية مراد به المحروث بقرينة كونه مفعولا لفعل (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ) وليس المراد به المصدر لأن المقام ينبو عنه ، وتشبيه النساء بالحرث تشبيه لطيف كما شبه النسل بالزرع في قول أبي طالب في خطبته خديجة للنبي صلىاللهعليهوسلم «الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل».
والفاء في (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) فاء فصيحة لابتناء ما بعدها على تقرر أن النساء حرث لهم ، لا سيما إذا كانوا قد سألوا عن ذلك بلسان المقال أو بلسان الحال.
وكلمة (أنى) اسم لمكان مبهم تبينه جملة مضاف هو إليها ، وقد كثر استعماله مجازا في معنى كيف بتشبيه حال الشيء بمكانه ، لأن كيف اسم للحال المبهمة يبينها عاملها نحو (كَيْفَ يَشاءُ) [آل عمران : ٦] وقال في «لسان العرب» : إن (أنى) تكون بمعنى (متى) ، وقد أضيف (أنى) في هذه الآية إلى جملة (شئتم) والمشيئات شتى فتأوله كثير من المفسرين على حمل (أني) على المعنى المجازي وفسره بكيف شئتم وهو تأويل الجمهور الذي عضدوه بما رووه في سبب نزول الآية وفيها روايتان. إحداهما عن جابر بن عبد الله والأخرى عن ابن عباس وتأوله الضحاك على معنى متى شئتم وتأوله جمع على معناه الحقيقي من كونه اسم مكان مبهم ، فمنهم من جعلوه ظرفا لأنه الأصل في أسماء المكان إذا لم يصرح فيها بما يصرف عن معنى الظرفية وفسروه بمعنى في أي مكان من المرأة شئتم وهو المروي في «صحيح البخاري» تفسيرا من ابن عمر ، ومنهم من جعلوه اسم مكان غير ظرف وقدروا أنه مجرور ب (من) ففسروه من أي مكان أو جهة شئتم وهو يئول إلى تفسيره بمعنى كيف ، ونسب القرطبي هذين التأويلين إلى سيبويه. فالذي يتبادر من موقع الآية وتساعد عليه معاني ألفاظها أنها تذييل وارد بعد النهي عن قربان النساء في حال الحيض. فتحمل (أني) على معنى متى ويكون المعنى فأتوا نساءكم متى شئتم إذا تطهرن فوزانها وزان قوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) بعد قوله : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) [المائدة : ٢].
ولا مناسبة تبعث لصرف الآية عن هذا المعنى إلا أن ما طار بين علماء السلف ومن