رجلا أصاب امرأته في دبرها على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فأنكر الناس عليه وقالوا : أثفرها فأنزل الله تعالى (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) فعلى تأويل هؤلاء يكون قوله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) ، تشبيها للمرأة بالحرث أي بأرض الحرث وأطلق (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ) على معنى : فاحرثوا في أي مكان شئتم.
أقول : قد أجمل كلام الله تعالى هنا ، وأبهم وبين المبهمات بمبهمات من جهة أخرى لاحتمال (أَمَرَكُمُ اللهُ) معاني ليس معنى الإيجاب والتشريع منها ، إذ لم يعهد سبق تشريع من الله في هذا كما قدمناه ، ثم أتبع بقوله : (يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) [البقرة : ٢٢٢] فربما أشعر بأن فعلا في هذا البيان كان يرتكب والله يدعو إلى الانكفاف عنه وأتبع بقوله : (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) فأشعر بأن فعلا في هذا الشأن قد يلتبس بغير التنزه والله يحب التنزه عنه ، مع احتمال المحبة عنه لمعنى التفضيل والتكرمة مثل (يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) [التوبة : ١٠٨] ، واحتمالها لمعنى : ويبغض غير ذلك ، ثم جاء ما هو كالدليل وهو قوله : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) فجعلن حرثا على احتمال وجوه في الشبه ؛ فقد يقال : إنه وكل للمعروف ، وقد يقال : إنه جعل شائعا في المرأة ، فلذلك نيط الحكم بذات النساء كلها ، ثم قال : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) فجاء بأنى المحتملة للكيفيات وللأمكنة وهي أصل في الأمكنة ووردت في الكيفيات ، وقد قيل : إنها ترد للأزمنة فاحتمل كونها أمكنة الوصول من هذا الإتيان ، أو أمكنة الورود إلى مكان آخر مقصود فهي أمكنة ابتداء الإتيان أو أمكنة الاستقرار فأجمل في هذا كله إجمال بديع وأثنى ثناء حسن.
واختلاف محامل الآية في أنظار المفسرين والفقهاء طوع علم المتأمل ، وفيها أقوال كثيرة ومذاهب مختلفة لفقهاء الأمصار في كتب أحكام القرآن وكتب السنة ، وفي دواوين الفقه ، وقد اقتصرنا على الآثار التي تمت إلى الآية بسبب نزول ، وتركنا ما عداه إلى أفهام العقول.
(وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) عطف على جملة (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ) أو على جملة (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ). عطف الإنشاء على الخبر ، على أن الجملة المعطوف عليها وإن كانت خبرا فالمقصود منها الأمر بالتوبة والتطهر ؛ فكرر ذلك اهتماما بالحرص على الأعمال الصالحة بعد الكلام على اللذائذ العاجلة.
وحذف مفعول (وَقَدِّمُوا) اختصارا لظهوره ؛ لأن التقديم هنا إعداد الحسنات فإنها