بمنزلة الثّقل الذي يقدمه المسافر.
وقوله : (لِأَنْفُسِكُمْ) متعلق ب (قَدِّمُوا) ، واللام للعلة أي لأجل أنفسكم أي لنفعها ، وقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) تحريض على امتثال الشرع بتجنب المخالفة ، فيدخل تحته التخلي عن السيئات والتحلي بالواجبات والقربات ، فمضمونها أعم من مضمون جملة (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) فلذلك كانت هذه تذييلا.
وقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) يجمع التحذير والترغيب ، أي فلاقوه بما يرضى به عنكم كقوله : (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) [النور : ٣٩] وهو عطف على قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ).
والملاقاة : مفاعلة من اللقاء وهو الحضور لدى الغير بقصد أو مصادفة. وأصل مادة لقي تقتضي الوقوع بين شيئين فكانت مفيدة معنى المفاعلة بمجردها ، فلذلك كان لقي ولاقى بمعنى واحد ، وإنما أمرهم الله بعلم أنهم ملاقوه مع أن المسلمين يعلمون ذلك تنزيلا لعلمهم منزلة العدم في هذا الشأن ، ليزاد من تعليمهم اهتماما بهذا المعلوم وتنافسا فيه على أننا رأينا أن في افتتاح الجملة بكلمة : (اعْلَمُوا) اهتماما بالخبر واستنصاتا له وهي نقطة عظيمة سيأتي الكلام عليها عند قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) في سورة الأنفال [٢٤].
وقد رتبت الجمل الثلاث الأول على عكس ترتيب حصول مضامينها في الخارج ؛ فإن الظاهر أن يكون الإعلام بملاقاة الله هو الحاصل أولا ثم يعقبه الأمر بالتقوى ثم الأمر بأن يقدموا لأنفسهم ، فخولف الظاهر للمبادرة بالأمر بالاستعداد ليوم الجزاء ، وأعقب بالأمر بالتقوى إشعارا بأنها هي الاستعداد ثم ذكّروا بأنهم ملاقو الله فجاء ذلك بمنزلة التعليل.
وقوله : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) تعقيب للتحذير بالبشارة ، والمراد : المؤمنون الكاملون وهم الذين يسرون بلقاء الله كما جاء : «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه» ، وذكر هذه البشارة عقب ما تقدم إشارة إلى أن امتثال الأحكام المتقدمة من كمال الإيمان ، وجملة:(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) ، معطوفة على جملة : (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) ، على الأظهر من جعل جملة : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) ، استئنافا غير معمولة لقل هو أذى ، وإذا جعلت جملة (نِساؤُكُمْ) من معمول القول كانت جملة (قُلْ هُوَ أَذىً) [البقرة : ٢٢٢] معطوفة على جملة : (قُلْ هُوَ أَذىً) ؛ إذ لا يصح وقوعها مقولا للقول كما اختاره التفتازاني.