وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وعبد الرحمن ابن عوف والزبير بن العوام ومحمد بن إسحاق وحجاج بن أرطاة وطاوس والظاهرية وجماعة من مالكية الأندلس : منهم محمد بن زنباع ، ومحمد بن بقي بن مخلد ، ومحمد بن عبد السلام الخشني ، فقيه عصره بقرطبة ، وأصبغ بن الحباب من فقهاء قرطبة ، وأحمد بن مغيث الطليطلي الفقيه الجليل ، وقال ابن تيمية من الحنابلة : إن طلاق الثلاث في كلمة واحدة لا يقع إلا طلقة واحدة وهو الأرجح من جهة النظر والأثر.
واحتجوا بحجج كثيرة أولاها وأعظمها هذه الآية فإن الله تعالى جعل الطلاق مرتين ثم ثالثة ، ورتب حرمة العود على حصول الثالثة بالفعل لا بالقول ، فإذا قال الرجل لامرأته : هي طالق طلاقا ولم تكن تلك الطلقة ثالثة بالفعل والتكرر كذب في وصفها بأنها ثلاث ، وإنما هي واحدة أو ثانية فكيف يقدم على تحريم عودها إليه والله تعالى لم يحرم عليه ذلك ، قال ابن عباس : «وهل هو إلا كمن قال : قرأت سورة البقرة ثلاث مرات وقد قرأها واحدة فإن قوله ثلاث مرات يكون كاذبا».
الثانية أن الله تعالى قصد من تعدد الطلاق التوسعة على الناس ؛ لأن المعاشر لا يدري تأثير مفارقة عشيره إياه ، فإذا طلق الزوج امرأته يظهر له الندم وعدم الصبر على مفارقتها ، فيختار الرجوع فلو جعل الطلقة الواحدة مانعة بمجرد اللفظ من الرجعة ، تعطل المقصد الشرعي من إثبات حق الرجعة ، قال ابن رشد الحفيد في «البداية» (١) «وكأن الجمهور غلبوا حكم التغليظ في الطلاق سدا للذريعة ولكن تبطل بذلك الرخصة الشرعية والرفق المقصود من قوله تعالى : (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) [الطلاق : ١].
الثالثة قال ابن مغيث : إن الله تعالى يقول : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) وموقع الثلاث غير محسن ، لأن فيها ترك توسعة الله تعالى ، وقد يخرّج هذا بقياس على غير مسألة في «المدونة» : من ذلك قول الإنسان : ما لي صدقة في المساكين قال مالك يجزئه الثلث.
الرابعة احتجوا بحديث ابن عباس في «الصحيحين» «كان طلاق الثلاث في زمن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر طلقة واحدة».
وأجاب عنه الجمهور بأن راويه طاوس وقد روى بقية أصحاب ابن عباس عنه أنه قال من طلق امرأته ثلاثا فقد عصى ربه وبانت منه زوجه ، وهذا يوهن رواية طاوس ، فإن
__________________
(١) «بداية المجتهد» لابن رشد الحفيد (٢ / ٦٢) ، ط دار المعرفة.