من الولد ولا من الأم ، وكذا : استنجحت الله سعيي ، إذ لا يطلب من الله إلّا إنجاح السعي ، ولا معنى لطلب نجاح الله ، فبقطع النظر عن كون الفعل تعدى إلى مفعولين ، أو إلى الثاني بحذف الحرف ، نرى أنه لا معنى لتسلط الطلب على الفعل هنا أصلا ، على أنه لو لا هذا الاعتبار ، لتعذر طلب وقوع الفعل المتعدي بالسين والتاء ، وهو قد يطلب حصوله فما أوردوه على «الكشاف» : من أن حروف الزيادة إنما تدخل على المجرد لا المزيد مدفوع بأن حروف الزيادة إذا تكررت ، وكانت لمعان مختلفة جاز اعتبار بعضها داخلا بعد بعض ، وإن كان مدخولها كلّها هو الفعل المجرد.
وقد دل قوله : (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) على أنه ليس المراد بقوله (يُرْضِعْنَ) تشريع وجوب الإرضاع على الأمهات ، بل المقصود تحديد مدة الإرضاع وواجبات المرضع على الأب ، وأما إرضاع الأمهات فموكول إلى ما تعارفه الناس ، فالمرأة التي في العصمة ، إذا كان مثلها يرضع ، يعتبر إرضاعها أولادها من حقوق الزوج عليها في العصمة ، إذ العرف كالشرط ، والمرأة المطلقة لا حق لزوجها عليها ، فلا ترضع له إلّا باختيارها. ما لم يعرض في الحالين مانع أو موجب ، مثل عجز المرأة في العصمة عن الإرضاع لمرض ، ومثل امتناع الصبي من رضاع غيرها ، إذا كانت مطلقة بحيث يخشى عليه ، والمرأة التي لا يرضع مثلها وهي ذات القدر ، قد علم الزوج حينما تزوجها أن مثلها لا يرضع ، فلم يكن له عليها حق الإرضاع. هذا قول مالك ، إذ العرف كالشرط ، وقد كان ذلك عرفا من قبل الإسلام وتقرر في الإسلام ، وقد جرى في كلام المالكية في كتب الأصول : أن مالكا خصص عموم الوالدات بغير ذوات القدر ، وأن المخصص هو العرف ، وكنا نتابعهم على ذلك ولكني الآن لا أرى ذلك متجها ولا أرى مالكا عمد إلى التخصيص أصلا ، لأن الآية غير مسوقة لإيجاب الإرضاع ، كما تقدم.
وقوله : (إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ) أي إذا سلمتم إلى المراضع أجورهن. فالمراد بما آتيتم : الأجر ، ومعنى آتى في الأصل دفع ؛ لأنه معدى أتى بمعنى وصل ، ولما كان أصل إذا أن يكون ظرفا للمستقبل مضمنا معنى الشرط ، لم يلتئم أن يكون مع فعل (آتَيْتُمْ) الماضي.
وتأول في «الكشاف» (آتَيْتُمْ) بمعنى : أردتم إيتاءه ، كقوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) [المائدة : ٦] تبعا لقوله : (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) ، والمعنى : إذا سلمتم أجور المراضع بالمعروف ، دون إجحاف ولا مطل.