وقت انتشار الناس إلى وقت هدوئهم بعد العتمة ، ولا تبيت إلّا في المنزل ، وشروط ذلك وأحكامه ، ووجود المحل للزوج ، أو في كرائه ، وانتظار الورثة بيع المنزل إلى ما بعد العدة ، وحكم ما لو ارتابت في الحمل فطالت العدة ، مبسوطة في كتب الفقه والخلاف ، فلا حاجة بنا إليها هنا.
ومن القراءات الشاذة في هذه الآية ما ذكره في «الكشاف» أن عليا قرأ (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ) بفتح التحتية على أنه مضارع توفى ، مبنيا للفاعل بمعنى مات بتأويل إنه توفى أجله أي استوفاه. وأنا ، وإن كنت التزمت ألا أتعرض للقراءات الشاذة ، فإنما ذكرت هذه القراءة لقصة طريفة فيها نكتة عربية ، أشار إليها في «الكشاف» وفصلها السكاكي في «المفتاح» ، وهي أن عليا كان يشيع جنازة ، فقال له قائل من المتوفي؟ بلفظ اسم الفاعل (أي بكسر الفاء سائلا عن المتوفى ـ بفتح الفاء ـ فلم يقل : فلان بل قال «الله» مخطئا إياه ، منبها له بذلك على أنه يحق أن يقول : من المتوفى بلفظ اسم المفعول ، وما فعل ذلك إلّا لأنه عرف من السائل أنه ما أورد لفظ المتوفي على الوجه الذي يكسوه جزالة وفخامة ، وهو وجه القراءة المنسوبة إليه ـ أي إلى علي ـ (والذين يتوفون منكم) بلفظ بناء الفاعل على إرادة معنى : والذين يستوفون مدة أعمارهم.
وفي «الكشاف» أن القصة وقعت مع أبي الأسود الدؤلي ، وأن عليا لما بلغته أمر أبا الأسود أن يضع كتابا في النحو ، وقال : إن الحكاية تناقضها القراءة المنسوبة إلى علي ، فجعل القراءة مسلمة وتردد في صحة الحكاية ، وعن ابن جني : أن الحكاية رواها أبو عبد الرحمن السلمي عن علي ، قال ابن جني «وهذا عندي مستقيم لأنه على حذف المفعول أي والذين يتوفون أعمارهم أو آجالهم ، وحذف المفعول كثير في القرآن وفصيح الكلام».
وقال التفتازاني «ليس المراد أن للمتوفي معنيين : أحدهما الإماتة وثانيهما الاستيفاء وأخذ الحق ، بل معناه الاستيفاء وأخذ الحق لا غير ، لكن عند الاستعمال قد يقدر مفعوله النفس فيكون الفاعل هو الله تعالى أو الملك ، وهذا الاستعمال الشائع ، وقد يقدر مدة العمر فيكون الفاعل هو الميت لأنه الذي استوفى مدة عمره ، وهذا من المعاني الدقيقة التي لا يتنبه لها إلّا البلغاء ، فحين عرف عليّ من السائل عدم تنبهه لذلك لم يحمل كلامه عليه».