إحدادها على أبي سلمة أن تجعل الصبر في عينيها بالليل وتمسحه بالنهار ، وبمثل ذلك أفتت أم سلمة امرأة حادا اشتكت عينيها أن تكتحل بكحل الجلاء بالليل وتمسحه بالنهار ، روي ذلك كله في «الموطأ» ، قال مالك : «وإن كانت الضرورة فإن دين الله يسر» : ولذلك حملوا نهي النبي صلىاللهعليهوسلم المرأة التي استفتته أمها أن تكتحل على أنه علم من المعتدة أنها أرادت الترخص ، فقيضت أمها لتسأل لها.
وأما ملازمة معتدة الوفاة بيت زوجها فليست مأخوذة من هذه الآية ؛ لأن التربص تربص بالزمان لا يدل على ملازمة المكان ، والظاهر عندي أن الجمهور أخذوا ذلك من قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ) [البقرة : ٢٤٠] فإن ذلك الحكم لم يقصد به إلّا حفظ المعتدة ، فلما نسخ عند الجمهور بهذه الآية ، كان النسخ واردا على المدة وهي الحول ، لا على بقية الحكم ، على أن المعتدة من الوفاة أولى بالسكنى من معتدة الطلاق التي جاء فيها (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ) [الطلاق : ١] وجاء فيها (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) [الطلاق : ٦] وقال المفسرون والفقهاء : ثبت وجوب ملازمة البيت بالسنة ، ففي «الموطأ» و «الصحاح» أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال للفريعة ابنة مالك بن سنان الخدري ، أخت أبي سعيد الخدري لما توفي عنها زوجها : «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله» وهو حديث مشهور ، وقضى به عثمان بن عفان وفي «الموطأ» أن عمر بن الخطاب كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء يمنعهن الحج ، وبذلك قال ابن عمر ، وبه أخذ جمهور فقهاء المدينة والحجاز والعراق والشام ومصر ، ولم يخالف في ذلك إلّا علي وابن عباس وعائشة وعطاء والحسن وجابر بن زيد وأبو حنيفة وداود الظاهري ، وقد أخرجت عائشة رضياللهعنها أختها أم كلثوم حين توفي زوجها طلحة بن عبيد الله إلى مكة في عمرة ، وكانت تفتي بالخروج ، فأنكر كثير من الصحابة ذلك عليها ، قال الزهري : فأخذ المترخصون بقول عائشة ، وأخذ أهل العزم والورع بقول ابن عمر.
واتفق الكل على أن المرأة المعتدة تخرج للضرورة ، وتخرج نهارا لحوائجها ، من
__________________
ـ بعرة فترمي بها من وراء ظهرها ثم تسرع إلى بيت أهلها وتراجع بعد ذلك ما شاءت من طيب وغيره وتحل للخطاب قالوا : وفي البعرة رمز إلى أن ما فعلته في مدة الحول التي مضت أمر هين بالنسبة إلى عظم مصابها بزوجها كأنه بعرة.