جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) [البقرة : ٢٣٥]. وأما ما عداه ، فالخلاف مفروض في أمرين : في الإحداد ، وفي ملازمة البيت.
فأما الإحداد فهو مصدر أحدّت المرأة إذا حزنت ولبست ثياب الحزن وتركت الزينة ، ويقال حداد ، والمراد به في الإسلام ترك المعتدة من الوفاة الزينة والطيب ومصبوغ الثياب إلّا الأبيض ، وترك الحلي ، وهو واجب بالسنة ففي الصحيح «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلّا على زوج أربعة أشهر وعشرا» ولم يخالف في هذا إلّا الحسن البصري ، فجعل الإحداد ثلاثة أيام لا غير وهو ضعيف.
والحكمة من الإحداد سد ذريعة كل ما يوسوس إلى الرجال من رؤية محاسن المرأة المعتدة ، حتى يبتعدوا عن الرغبة في التعجل بما لا يليق ، ولذلك اختلف العلماء في الإحداد على المطلقة ، فقال مالك والشافعي وربيعة وعطاء : لا إحداد على مطلقة ، أخذا بصريح الحديث ، وبأن المطلقة يرقبها مطلقها ويحول بينها وبين ما عسى أن تتساهل فيه ، بخلاف المتوفى عنها كما قدمناه.
وقال أبو حنيفة والثوري وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار ، وابن سيرين : تحد المطلقة طلاق الثلاث كالمتوفى عنها ، لأنهما جميعا في عدة يحفظ فيها النسب ، والزوجة الكتابية كالمسلمة في ذلك عند مالك ، تجبر عليه وبه قال الشافعي ، والليث ، وأبو ثور ، لاتحاد العلة ، وقال أبو حنيفة وأشهب وابن نافع وابن كنانة من المالكية : لا إحداد عليها ، وقوفا عند قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر» فوصفها بالإيمان ، وهو متمسك ضئيل ، لأن مورد الوصف ليس مورد التقييد ، بل مورد التحريض على امتثال أمر الشريعة.
وقد شدد النبي صلىاللهعليهوسلم في أمر الإحداد ، ففي «الموطأ» : «أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينيها ، أفتكحلهما ـ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لا لا» مرتين أو ثلاثا «إنما هي أربعة أشهر وعشرا وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمى بالبعرة على رأس الحول» (١). وقد أباح النبي صلىاللهعليهوسلم لأم سلمة في مدة
__________________
(١) فسر هذا في «الموطأ» بأن المرأة كانت في الجاهلية إذا توفي زوجها دخلت حفضا ـ بكسر الحاء وسكون الفاء وهو بيت ردىء ولبست شر ثيابها ولم تمسس طيبا ولا شيئا حتى يمر بها سنة ثم تؤتى بدابة شاة أو طائر أو حمار فتفتض به أي تمسح جلدها به وتخرج وهي في شر منظر فتعطى ـ