فرضت ؛ كما في حديث جبريل في «الموطأ» ، فجعل الوسطى : المغرب.
وأما الذين تعلقوا بدليل الوصاية على المحافظة ، فذهبوا يتطلبون أشق صلاة على الناس تكثر المثبطات عنها ، فقال قوم : هي الظهر لأنها أشق صلاة عليهم بالمدينة ، كانوا أهل شغل ، وكانت تأتيهم الظهر وهم قد أتعبتهم أعمالهم ، وربما كانوا في إكمال أعمالهم ، وقال قوم : هي العشاء ؛ لما ورد أنها أثقل صلاة على المنافقين ، وقال بعضهم : هي العصر لأنها وقت شغل وعمل ؛ وقال قوم : هي الصبح لأنها وقت نوم في الصيف ، ووقت تطلب الدفء في الشتاء.
وأصح ما في هذا الخلاف : ما جاء من جهة الأثر وذلك قولان :
أحدهما أنها الصبح ، هذا قول جمهور فقهاء المدينة وهو قول عمر وابنه عبد الله وعلي وابن عباس وعائشة وحفصة وجابر بن عبد الله ، وبه قال مالك ، وهو عن الشافعي أيضا ، لأن الشائع عندهم أنها الصبح ، وهم أعلم الناس بما يروى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم من قول أو فعل أو قرينة حال.
القول الثاني : أنها العصر ، وهذا قول جمهور من أهل الحديث ، وهو قول عبد الله بن مسعود ، وروي عن علي أيضا ، وهو الأصح عن ابن عباس أيضا وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري ، ونسب إلى عائشة وحفصة والحسن ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في رواية ، ومال إليه ابن حبيب من المالكية ، وحجتهم ما روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال يوم الخندق حين نسي أن يصلي العصر من شدة الشغل في حفر الخندق ، حتى غربت الشمس فقال : «شغلونا ـ أي المشركون ـ عن الصلاة الوسطى ، أضرم الله قبورهم نارا».
والأصح من هذين القولين أولهما لما في «الموطأ» و «الصحيحين» أن عائشة وحفصة أمرتا كاتبي مصحفيهما أن يكتبا قوله تعالى : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين وأسندت عائشة ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولم تسنده حفصة ، فإذا بطل أن تكون الوسطى هي العصر ، بحكم عطفها على الوسطى تعين كونها الصبح ، هذا من جهة الأثر.
وأما من جهة مسالك الأدلة المتقدمة ، فأفضلية الصبح ثابتة بالقرآن ، قال تعالى مخصصا لها بالذكر (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) [الإسراء : ٧٨] وفي الصحيح أن ملائكة الليل وملائكة النهار يجتمعون عند صلاة الصبح ، وتوسطها بالمعنى الحقيقي