هذا التفريع غرضين : أحدهما بصريح لفظه ، والآخر بلازم معناه.
والخوف هنا خوف العدو ، وبذلك سميت صلاة الخوف ، والعرب تسمي الحرب بأسماء الخوف فيقولون الرّوع ويقولون الفزع ، قال عمرو بن كلثوم :
وتحملنا غداة الروع جرد
البيت. وقال سبرة بن عمر الفقعسي :
ونسوتكم في الروع باد وجوهها |
|
يخلن إماء والإماء حرائر |
وفي الحديث : «إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع» ولا يعرف إطلاق الخوف على الحرب قبل القرآن قال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) [البقرة: ١٥٥]. والمعنى : فإن حاربتم أو كنتم في حرب ، ومنه سمى الفقهاء صلاة الخوف الصلاة التي يؤديها المسلمون وهم يصافون العدو في ساحة الحرب وإيثار كلمة الخوف في هذه الآية لتشمل خوف العدو وخوف السباع وقطاع الطريق ، وغيرها.
و (فَرِجالاً) جمع راجل كالصحاب و (رُكْباناً) جمع راكب وهما حالان من محذوف أي فصلوا رجالا أو ركبانا وهذا في معنى الاستثناء من قوله : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) [البقرة : ٢٣٨] لأن هاته الحالة تخالف القنوت في حالة الترجل ، وتخالفهما معا في حالة الركوب. والآية إشارة إلى أن صلاة الخوف لا يشترط فيها الخشوع ، لأنها تكون مع الاشتغال بالقتال ولا يشترط فيها القيام.
وهذا الخوف يسقط ما ذكر من شروط الصلاة ، وهو هنا صلاة الناس فرادى ، وذلك عند مالك إذا اشتد الخوف وأظلهم العدو ولم يكن حصن بحيث تتعذر الصلاة جماعة مع الإمام ، وليست هذه الآية لبيان صلاة الجيش في الحرب جماعة المذكورة في سورة النساء ، والظاهر أن الله شرع للناس في أول الأمر صلاة الخوف فرادى على الحال التي يتمكنون معها من مواجهة العدو ، ثم شرع لهم صلاة الخوف جماعة في سورة النساء ، وأيضا شملت هذه الآية كل خوف من سباع أو قطاع طريق أو من سيل الماء ، قال مالك : وتستحب إعادة الصلاة ، وقال أبو حنيفة : يصلون كما وصف الله ويعيدون ، لأن القتال في الصلاة مفسد عنده.
وقوله : (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ) أراد الصلاة أي ارجعوا إلى الذكر المعروف. وجاء في الأمن بإذا وفي الخوف بإن بشارة للمسلمين بأنهم سيكون لهم النصر والأمن.