لما كانوا عليه ، ويكون الحول تكميلا لمدة السكنى لا للعدة ، وهذا الذي قاله مجاهد أصرح ما في هذا الباب ، وهو المقبول.
واعلموا أن العرب في الجاهلية كان من عادتهم المتبعة أن المرأة إذا توفي عنها زوجها تمكث في شر بيت لها حولا ، محدة لابسة شر ثيابها متجنبة الزينة والطيب ، كما تقدم في حاشية تفسير قوله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة : ٢٣٤] عن «الموطأ» ، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك الغلو في سوء الحالة ، وشرع عدة الوفاة والإحداد ، فلما ثقل ذلك على الناس ، في مبدأ أمر تغيير العادة ، أمر الأزواج بالوصية لأزواجهم بسكنى الحول بمنزل الزوج والإنفاق عليها من ماله ، إن شاءت السكنى بمنزل الزوج ، فإن خرجت وأبت السكنى هنالك لم ينفق عليها ، فصار الخيار للمرأة في ذلك بعد أن كان حقا عليها لا تستطيع تركه ، ثم نسخ الإنفاق والوصية بالميراث ، فالله لما أراد نسخ عدة الجاهلية ، وراعى لطفه بالناس في قطعهم عن معتادهم ، أقر الاعتداد بالحول ، وأقر ما معه من المكث في البيت مدة العدة ، لكنه أوقفه على وصية الزوج عند وفاته لزوجه بالسكنى ، وعلى قبول الزوجة ذلك ، فإن لم يوص لها أو لم تقبل ، فليس عليها السكنى ، ولها الخروج ، وتعتد حيث شاءت ، ونسخ (وَصِيَّةً) السكنى حولا بالمواريث ، وبقي لها السكنى في محل زوجها مدة العدة مشروعا بحديث الفريعة.
وقوله : (وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ) قرأه نافع وابن كثير والكسائي وأبو بكر عن عاصم ، وأبو جعفر ويعقوب وخلف : برفع (وصية) على الابتداء ، محولا عن المفعول المطلق ، وأصله وصية بالنصب بدلا من فعله ، فحول إلى الرفع لقصد الدوام كقولهم : حمد وشكر ، و (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) [يوسف : ١٨] كما تقدم في تفسير (الْحَمْدُ لِلَّهِ) [الفاتحة : ١٨] وقوله : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) [البقرة : ٢٢٩] ولما كان المصدر في المفعول المطلق ، في مثل هذا ، دالا على النوعية ، جاز عند وقوعه مبتدأ أن يبقى منكرا ، إذ ليس المقصود فردا غير معين حتى ينافي الابتداء ، بل المقصود النوع ، وعليه فقوله : (لِأَزْواجِهِمْ) خبر ، وقرأه أبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، وحفص عن عاصم : (وَصِيَّةً) بالنصب فيكون قوله : (لِأَزْواجِهِمْ) متعلقا به على أصل المفعول المطلق الآتي بدلا من فعله لإفادة الأمر.
وظاهر الآية أن الوصية وصية المتوفين ، فتكون من الوصية التي أمر بها من تحضره الوفاة مثل الوصية التي في قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [البقرة : ١٨٠] فعلى هذا الاعتبار إذا لم يوص المتوفّى