وقد قال الراجز :
قدني من نصر الخبيبين قدي |
|
ليس الإمام بالشحيح الملحد |
فقولهم : (وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ) جملة حالية ، والضمير من المتكلمين ، وهم قادة بني إسرائيل وجعلوا الجملة حالا للدلالة على أنهم لما ذكروا أحقيتهم بالملك لم يحتاجوا إلى الاستدلال على ذلك ؛ لأن هذا الأمر عندهم مسلم معروف ، إذ هم قادة وعرفاء ، وشاوول رجل من السوقة ، فهذا تسجيل منهم بأرجحيتهم عليه ، وقوله : (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ) معطوفة على جملة الحال فهي حال ثانية. وهذا إبداء مانع فيه من ولايته الملك في نظرهم ، وهو أنه فقير ، وشأن الملك أن يكون ذا مال ليكفي نوائب الأمة فينفق المال في العدد والعطاء وإغاثة الملهوف ، فكيف يستطيع من ليس بذي مال أن يكون ملكا ، وإنما قالوا هذا لقصورهم في معرفة سياسة الأمم ونظام الملك ؛ فإنهم رأوا الملوك المجاورين لهم في بذخة وسعة ، فظنوا ذلك من شروط الملك. ولذا أجابهم نبيئهم بقوله : (إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ) رادّا على قولهم : (وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ) فإنهم استندوا إلى اصطفاء الجمهور إياهم فأجابهم بأنه أرجح منهم لأن الله اصطفاه ، وبقوله : (وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) رادا عليهم قولهم : (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ) أي زاده عليكم بسطة في العلم والجسم ، فأعلمهم نبيئهم أن الصفات المحتاج إليها في سياسة أمر الأمة ترجع إلى أصالة الرأي وقوة البدن ؛ لأنه بالرأي يهتدي لمصالح الأمة ، لا سيما في وقت المضائق ، وعند تعذر الاستشارة أو عند خلاف أهل الشورى وبالقوة يستطيع الثبات في مواقع القتال فيكون بثباته ثبات نفوس الجيش.
وقدم النبي في كلامه العلم على القوة لأن وقعه أعظم ، قال أبو الطيب :
الرأي قبل شجاعة الشجعان |
|
هو أوّل وهي المحل الثاني |
فالعلم المراد هنا ، هو علم تدبير الحرب وسياسة الأمة ، وقيل : هو علم النبوءة ، ولا يصح ذلك لأن طالوت لم يكن معدودا من أنبيائهم.
ولم يجبهم نبيئهم عن قوله : (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ) اكتفاء بدلالة اقتصاره على قوله : (وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) فإنه ببسطة العلم وبالنصر يتوافر له المال ؛ لأن «المال تجلبه الرعية» كما قال أرسطاطاليس ، ولأن الملك ولو كان ذا ثروة ، فثروته لا تكفي لإقامة أمور المملكة ولهذا لم يكن من شرط ولاة الأمور من الخليفة فما دونه أن يكون ذا سعة ، وقد ولي على الأمة أبو بكر وعمر وعلي ولم يكونوا ذوي يسار ، وغنى الأمة في