قيل : ومن ذلك عصا موسى. ويجوز أن تكون البقية مجازا عن النفيس من الأشياء ؛ لأن الناس إنما يحافظون ، على النفائس فتبقى كما قال النابغة :
بقيّة قدر من قدور توورثت |
|
لآل الجلاح كابرا بعد كابر |
وقد فسر بهذا المعنى قول رويشد الطائي :
إن تذنبوا ثم تأتيني بقيتكم |
|
فما عليّ بذنب منكم فوت |
أي تأتيني الجماعة الذين ترجعون إليهم في مهامكم ، وقريب منه إطلاق التليد على القديم من المال الموروث.
والمراد من آل موسى وآل هارون أهل بيتهما من أبناء هارون ؛ فإنهم عصبة موسى ؛ لأن موسى لم يترك أولادا ، أو ما تركه آلهما هو آثارهما ، فيئول إلى معنى ما ترك موسى وهارون وآلهما ، أو أراد مما ترك موسى وهارون فلفظ آل مقحم كما في قوله (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) [غافر : ٤٦].
وهارون هو أخو موسى عليهماالسلام وهو هارون بن عمران من سبط لاوي ولد قبل أن يأمر فرعون بقتل أطفال بني إسرائيل وهو أكبر من موسى ، ولما كلم الله موسى بالرسالة أعلمه بأنه سيشرك معه أخاه هارون فيكون كالوزير له ، وأوحى إلى هارون أيضا ، وكان موسى هو الرسول الأعظم ، وكان معظم وحي الله إلى هارون على لسان موسى ، وقد جعل الله هارون أول كاهن لبني إسرائيل لما أقام لهم خدمة خيمة العبادة ، وجعل الكهانة في نسله ، فهم يختصون بأحكام لا تشاركهم فيها بقية الأمة ، منها تحريم الخمر على الكاهن ، ومات هارون سنة ثمان أو سبع وخمسين وأربعمائة وألف قبل المسيح ، في جبل هور على تخوم أرض أدوم في مدة التيه في السنة الثالثة من الخروج من مصر.
وقوله : (تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) حال من (التابوت) ، والحمل هنا هو الترحيل كما في قوله تعالى : (قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) [التوبة : ٩٢] لأن الراحلة تحمل راكبها ؛ ولذلك تسمى حمولة وفي حديث غزوة خيبر : «وكانت الحمر حمولتهم» وقال النابغة :
يخال به راعي الحمولة طائرا
فمعنى حمل الملائكة التابوت هو تسييرهم بإذن الله البقرتين السائرتين بالعجلة التي عليها التابوت إلى محلة بني إسرائيل ، من غير أن يسبق لهما إلف بالسير إلى تلك الجهة ، هذا هو الملاقى لما في كتب بني إسرائيل.