رخص لهم في اغتراف غرفة واحدة.
والنهر بتحريك الهاء وبسكونها للتخفيف ، ونظيره في ذلك شعر وبحر وحجر فالسكون ثابت لجميعها.
وقوله : (فَلَيْسَ مِنِّي) أي فليس متصلا بي ولا علقة بيني وبينه ، وأصل «من» في مثل هذا التركيب للتبعيض ، وهو تبعيض مجازي في الاتصال ، وقال تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) [آل عمران : ٢٨] وقال النابغة :
إذا حاولت في أسد فجورا |
|
فإني لست منك ولست مني |
وسمى بعض النحاة «من» هذه بالاتصالية. ومعنى قول طالوت «ليس مني» يحتمل أنه أراد الغضب عليه والبعد المعنوي ، ويحتمل أنه أراد أنه يفصله عن الجيش ، فلا يكمل الجهاد معه ، والظاهر الأول لقوله (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) لأنه أراد به إظهار مكانة من ترك الشرب من النهر وولائه وقربه ، ولو لم يكن هذا مراده لكان في قوله : (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) غنية عن قوله : (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) ؛ لأنه إذا كان الشارب مبعدا من الجيش فقد علم أن من لم يشرب هو باقي الجيش.
والاستثناء في قوله : (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) من قوله : (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ) لأنه من الشاربين ، وإنما أخره عن هذه الجملة ، وأتى به بعد جملة (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ) ليقع بعد الجملة التي فيها المستثنى منه مع الجملة المؤكدة لها ؛ لأن التأكيد شديد الاتصال بالمؤكد ، وقد علم أن الاستثناء راجع إلى منطوق الأولى ومفهوم الثانية ، فإن مفهوم (من لم يطعمه فإنه منّي) أن من طعمه ليس منه ، ليعلم السامعون أن المغترف غرفة بيده هو كمن لم يشرب منه شيئا ، وأنه ليس دون من لم يشرب في الولاء والقرب ، وليس هو قسما واسطة. والمقصود من هذا الاستثناء الرخصة للمضطر في بلال ريقه ، ولم تذكر كتب اليهود هذا الأمر بترك شرب الماء من النهر حين مرور الجيش في قصة شاول ، وإنما ذكرت قريبا منه إذ قال في سفر صمويل لما ذكر أشد وقعة بين اليهود وأهل فلسطين : «وضنك رجال إسرائيل في ذلك اليوم ؛ لأن شاول حلف القوم قائلا ملعون من يأكل خبزا إلى المساء حتى أنتقم من أعدائي» وذكر في سفر القضاة في الإصحاح السابع مثل واقعة النهر ، في حرب جدعون قاضي إسرائيل للمديانيين ، والظاهر أن الواقعة تكررت لأن مثلها يتكرر فأهملتها كتبهم في أخبار شاول.