منها والمتأخر ومع انتقالات في القصص غير متناسبة ، ظهر داود بن يسى اليهودي إذ أوحى الله إلى صمويل أن يذهب إلى بيت يسى في بيت لحم ويمسح أصغر أبناء يسى ليكون ملكا على إسرائيل بعد حين ، وساق الله داود إلى شاول (طالوت) بتقدير عجيب فحظى عند شاول ، وكان داود من قبل راعي غنم أبيه ، وكان ذا شجاعة ونشاط وحسن سمت ، وله نبوغ في رمي المقلاع ، فكان ذات يوم التقى الفلسطينيون مع جيش طالوت وخرج زعيم من زعماء فلسطين اسمه جليات كما تقدم ، فلم يستطع أحد مبارزته فانبرى له داود ورماه بالمقلاع فأصاب الحجر جبهته وأسقطه إلى الأرض واعتلاه داود واخترط سيفه وقطع رأسه ، فذهب به إلى شاول وانهزم الفلسطينيون ، وزوج شاول ابنته المسماة ميكال من داود ، وصار داود بعد حين ملكا عوض شاول ، ثم آتاه الله النبوءة فصار ملكا نبيئا ، وعلمه مما يشاء. ويأتي ذكر داود عند قوله تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) في سورة الأنعام [٨٣].
(وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ).
ذيلت هذه الآية العظيمة كل الوقائع العجيبة التي أشارت بها الآيات السالفة لتدفع عن السامع المتبصر ما يخامره من تطلب الحكمة في حدثان هذه الوقائع وأمثالها في هذا العالم ولكون مضمون هذه الآية عبرة من عبر الأكوان وحكمة من حكم التاريخ ، ونظم العمران التي لم يهتد إليها أحد قبل نزول هذه الآية ، وقبل إدراك ما في مطاويها ، عطفت على العبر الماضية كما عطف قوله : (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ) [البقرة : ٢٤٧] وما بعده من رءوس الآي. وعدل عن المتعارف في أمثالها من ترك العطف ، وسلوك سبيل الاستئناف.
وقرأ نافع وأبو جعفر ويعقوب (ولو لا دفاع الله الناس) بصيغة المفاعلة ، وقرأه الجمهور (دفع) بصيغة المجرد.
والدفاع مصدر دافع الذي هو مبالغة في دفع لا للمفاعلة ، كقول موسى بن جابر الحنفي :
لا أشتهي يا قوم إلّا كارها |
|
باب الأمير ولا دفاع الحاجب |
وإضافته إلى الله مجاز عقلي كما هو في قوله : (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) [الحج : ٣٨] أي يدفع لأن الذي يدفع حقيقة هو الذي يباشر الدفع في متعارف الناس وإنما