الأجناس لا محالة ، إذ هي من أسماء المعاني التي لا آحاد لها في الخارج فهي أسماء أجناس لا نكرات ، ولذلك لا يحتمل نفيها إرادة نفي الواحد حتى يحتاج عند قصد التنصيص على إرادة نفي الجنس إلى بناء الاسم على الفتح ، بخلاف نحو لا رجل في الدار ولا إله إلا الله ، ولهذا جاءت الرواية في قول إحدى صواحب أم زرع «زوجي كليل تهامه لا حرّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سآمة» بالرفع لا غير ، لأنّها أسماء أجناس كما في هذه الآية. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بالفتح لنفي الجنس نصّا فالقراءتان متساويتان معنى ، ومن التكلّف هنا قول البيضاوي إنّ وجه قراءة الرفع وقوع النفي في تقدير جواب لسؤال قائل هل بيع فيه أو خلّة أو شفاعة.
والشفاعة الوساطة في طلب النافع ، والسعي إلى من يراد استحقاق رضاه على مغضوب منه عليه أو إزالة وحشة أو بغضاء بينهما ، فهي مشتقة من الشفع ضد الوتر ، يقال شفع كمنع إذا صيّر الشيء شفعا ، وشفع أيضا كمنع إذا سعى في الإرضاء ونحوه لأنّ المغضوب عليه والمحروم يبعد عن واصله فيصير وترا فإذا سعى الشفيع بجلب المنفعة والرضا فقد أعادهما شفعا ، فالشفاعة تقتضي مشفوعا إليه ومشفوعا فيه ، وهي ـ في عرفهم ـ لا يتصدّى لها إلّا من يتحقّق قبول شفاعته ، ويقال شفع فلان عند فلان في فلان فشفّعه فيه أي فقبل شفاعته ، وفي الحديث : «قالوا هذا جدير إن خطب بأن ينكح وإن شفع بأن يشفع».
وبهذا يظهر أنّ الشفاعة تكون في دفع المضرة وتكون في جلب المنفعة قال :
فذاك فتى إن تأته في صنيعة |
|
إلى ما له لا تأته بشفيع |
ومما جاء في منشور الخليفة القادر بالله للسلطان محمود بن سبكتكين الغزنوي «ولّيناك كورة خراسان ولقبناك يمين الدولة ، بشفاعة أبي حامد الأسفرائيني» ، أي بواسطته ورغبته.
فالشفاعة ـ في العرف ـ تقتضي إدلال الشفيع عند المشفوع لديه ، ولهذا نفاها الله تعالى هنا بمعنى نفي استحقاق أحد من المخلوقات أن يكون شفيعا عند الله بإدلال ، وأثبتها في آيات أخرى كقوله ـ قريبا ـ (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [البقرة : ٢٥٥] وقوله : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨] ، وثبتت للرسول عليهالسلام في أحاديث كثيرة وأشير إليها بقوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) [الإسراء : ٧٩] وفسّرت الآية بذلك في الحديث الصحيح ، ولذلك كان من أصول اعتقادنا إثبات الشفاعة