لما ذكر هول يوم القيامة وذكر حال الكافرين استأنف بذكر تمجيد الله تعالى وذكر صفاته إبطالا لكفر الكافرين وقطعا لرجائهم ، لأنّ فيها (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) ، وجعلت هذه الآية ابتداء لآيات تقرير الوحدانية والبعث ، وأودعت هذه الآية العظيمة هنا لأنّها كالبرزخ بين الأغراض السابقة واللّاحقة.
وجيء باسم الذات هنا لأنّه طريق في الدلالة على المسمى المنفرد بهذا الاسم ، فإنّ العلم أعرف المعارف لعدم احتياجه في الدلالة على مسمّاه إلى قرينة أو معونة لو لا احتمال تعدد التسمية ، فلما انتفى هذا الاحتمال في اسم الجلالة كان أعرف المعارف لا محالة لاستغنائه عن القرائن والمعونات ، فالقرائن كالتكلّم والخطاب ، والمعونات كالمعاد والإشارة باليد والصلة وسبق العهد والإضافة.
وجملة «لا إله إلّا هو» خبر أول عن اسم الجلالة ، والمقصود من هذه الجملة إثبات الوحدانية وقد تقدم الكلام على دلالة لا إله إلّا هو على التوحيد ونفي الآلهة عند قوله تعالى : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [البقرة : ١٦٣].
وقوله : (الْحَيُ) خبر لمبتدإ محذوف ، و (الْقَيُّومُ) خبر ثان لذلك المبتدإ المحذوف ، والمقصود إثبات الحياة وإبطال استحقاق آلهة المشركين وصف الإلهية لانتفاء الحياة ، عنهم كما قال إبراهيم عليهالسلام (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ) [مريم : ٤٢] وفصلت هذه الجملة عن التي قبلها للدلالة على استقلالها لأنّها لو عطفت لكانت كالتبع ، وظاهر كلام الكشاف أنّ هذه الجملة مبيّنة لما تضمّنته جملة (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) من أنّه القائم بتدبير الخلق ، أي لأنّ اختصاصه بالإلهية يقتضي أن لا مدبّر غيره ، فلذلك فصلت خلافا لما قرر به التفتازاني كلامه فإنّه غير ملائم لعبارته.
والحيّ في كلام العرب من قامت به الحياة ، وهي صفة بها الإدراك والتصرّف ، أعني كمال الوجود المتعارف ، فهي في المخلوقات بانبثاث الروح واستقامة جريان الدم في الشرايين ، وبالنسبة إلى الخالق ما يقارب أثر صفة الحياة فينا ، أعني انتفاء الجماديّة مع التنزيه عن عوارض المخلوقات. وفسّرها المتكلّمون بأنها «صفة تصحّح لمن قامت به الإدراك والفعل».
وفسّر صاحب «الكشاف» الحيّ بالباقي ، أي الدائم الحياة بحيث لا يعتريه العدم ، فيكون مستعملا كناية في لازم معناه لأنّ إثبات الحياة لله تعالى بغير هذا المعنى لا يكون إلّا مجازا أو كناية. وقال الفخر : «الذي عندي أنّ الحي ـ في أصل اللغة ـ ليس عبارة