الذي حاجّ إبراهيم في ربه ، ويدل لذلك ما يرد من التخيير في التشبيه في قوله : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) [البقرة : ٢٥٩] الآية.
وقد مضى الكلام على تركيب ألم تر. والاستفهام في (أَلَمْ تَرَ) مجازي متضمّن معنى التعجيب ، وقد تقدم تفصيل معناه وأصله عند قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) [البقرة : ٢٤٣]. وهذا استدلال مسوق لإثبات الوحدانية لله تعالى وإبطال إلاهية غيره لانفراده بالإحياء والإماتة ، وانفراده بخلق العوالم المشهودة للناس. ومعنى (حَاجَ) خاصم ، وهو فعل جاء على زنة المفاعلة ، ولا يعرف لحاجّ في الاستعمال فعل مجرد دال على وقوع الخصام ولا تعرف المادة التي اشتق منها. ومن العجيب أنّ الحجة في كلام العرب البرهان المصدّق للدعوى مع أنّ حاج لا يستعمل غالبا إلّا في معنى المخاصمة ؛ قال تعالى : (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ) [غافر : ٤٧] مع قوله : (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) [ص : ٦٤] ، وأنّ الأغلب أنّه يفيد الخصام بباطل ، قال تعالى : (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ) [الأنعام : ٨٠] وقال : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) [آل عمران : ٢٠] والآيات في ذلك كثيرة. فمعنى (الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ) أنّه خاصمه خصاما باطلا في شأن صفات الله ربّ إبراهيم.
والذي حاجّ إبراهيم كافر لا محالة لقوله : (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) ، وقد قيل : إنّه نمرود بن فالخ بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن كوش بن حام بن نوح ، فيكون أخا (رعو) جدّ إبراهيم. والذي يعتمد أنّه ملك جبّار ، كان ملكا في بابل ، وأنّه الذي بنى مدينة بابل ، وبنى الصرح الذي في بابل ، واسمه نمرود ـ بالدال المهملة في آخره ـ ويقال بالذال المعجمة ، ولم تتعرّض كتب اليهود لهذه القصة وهي في المرويات.
والضمير المضاف إليه رب عائد إلى إبراهيم ، والإضافة لتشريف المضاف إليه ، ويجوز عوده إلى الذي ، والإضافة لإظهار غلطه كقول ابن زيابة :
نبّئت عمرا غارزا رأسه |
|
في سنة يوعد أخواله |
أي ما كان من شأن المروءة أن يظهر شرا لأهل رحمه.
وقوله : (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) تعليل حذفت منه لام التعليل ، وهو تعليل لما يتضمنه حاجّ من الإقدام على هذا الغلط العظيم الذي سهّله عنده ازدهاؤه وإعجابه بنفسه ، فهو تعليل محض وليس علة غائيّة مقصودة للمحاجّ من حجاجه. وجوّز صاحب «الكشاف» أن