نظام الثروة العامة تصرّفا عجيبا أقامته على قاعدة توزيع الثروة بين أفراد الأمة ، وذلك بكفاية المحتاج من الأمة مئونة حاجته ، على وجوه لا تحرم المكتسب للمال فائدة اكتسابه وانتفاعه به قبل كل أحد.
فأول ما ابتدأت به تأمين ثقة المكتسب ـ بالأمن على ماله ـ من أن ينتزعه منه منتزع إذ قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [النساء : ٢٩] وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : في خطبة حجة الوداع : «إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا» ، سمع ذلك منه مائة ألف نفس أو يزيدون وتناقلوه في آفاق الإسلام حتى بلغ مبلغ التواتر ، فكان من قواعد التشريع العامة قاعدة حفظ الأموال لا يستطيع مسلم إبطالها.
وقد أتبعت إعلان هذه الثقة بحفظ الأموال بتفاريع الأحكام المتعلّقة بالمعاملات والتوثيقات ، كمشروعية الرهن في السلف والتوثّق بالإشهاد كما تصرّح به الآيات الآتية وما سوى ذلك من نصوص الشريعة تنصيصا واستنباطا.
ثم أشارت إلى أنّ من مقاصدها ألّا تبقى الأموال متنقّلة في جهة واحدة أو عائلة أو قبيلة من الأمة بل المقصد دورانها بقوله تعالى في آية الفيء : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) [الحشر : ٧] ، فضمير يكون عائد إلى ما أفاء الله باعتبار كونه مالا أي كيلا يكون المال دولة. والدّولة ما يتداوله الناس من المال ، أي شرعنا صرفه لمن سمّيناهم دون أن يكون لأهل الجيش حق فيه ، لينال الفقراء منه حظوظهم فيصبحوا أغنياء فلا يكون مدالا بين طائفة الأغنياء كما كانوا في الجاهلية يأخذ قادتهم المرباع ويأخذ الغزاة ثلاثة الأرباع فيبقى المال كله لطائفة خاصة.
ثم عمدت إلى الانتزاع من هذا المال انتزاعا منظّما فجعلت منه انتزاعا جبريا بعضه في حياة صاحب المال وبعضه بعد موته. فأما الذي في حياته فهو الصدقات الواجبة ، ومنها الزكاة ، وهي في غالب الأحوال عشر المملوكات أو نصف عشرها أو ربع عشرها. وقد بيّن النبي صلىاللهعليهوسلم وجه تشريعها بقوله لمعاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن «إن الله فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم» ، وجعل توزيع ما يتحصّل من هذا المال لإقامة مصالح الناس وكفاية مؤن الضعفاء منهم ، فصاروا بذلك ذوي حق في أموال الأغنياء ، غير مهينين ولا مهدّدين بالمنع والقساوة. والتفت إلى الأغنياء فوعدهم على هذا