من أحد الرواة عن البراء ، فإن أوّل قتل في سبيل الله وقع في غزوة بدر وهي بعد تحويل القبلة بنحو شهرين ، والأصح ما في حديث الترمذي عن ابن عباس قال «لما وجّه النبي إلى الكعبة قالوا يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس» الحديث فلم يقل : (الذين قتلوا). فالوجه في تفسير هذه الآية أنها تهيئة للمسلمين للصبر على شدائد الحرب ، وتحبيب للشهادة إليهم. ولذلك وقع التعبير بالمضارع في قوله : (لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ) المشعر بأنه أمر مستقبل وهم الذين قتلوا في وقعة بدر بعيد نزول هذه الآية.
وقد تقدم القول في نظير هذه الآية عند قوله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) [البقرة : ٤٥] الآية إلّا أنا نقول هنا إن الله تعالى قال لبني إسرائيل : (إِنَّها لَكَبِيرَةٌ) علما منه بضعف عزائمهم عن عظائم الأعمال وقال هنالك (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) ولم يذكر مثل هذا هنا ، وفي هذا إيماء إلى أن المسلمين قد يسر لهم ما يصعب على غيرهم ، وأنهم الخاشعون الذين استثناهم الله هنالك ، وزاد هنا فقال : (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) فبشرهم بأنهم ممن يمتثل هذا الأمر ويعد لذلك في زمرة الصابرين.
وقوله : (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) تذييل في معنى التعليل أي اصبروا ليكون الله معكم لأنه مع الصابرين.
وقوله : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ) عطف النهي على الأمر قبله لمناسبة التعرض للغزو مما يتوقع معه القتل في سبيل الله ، فلما أمروا بالصبر عرفوا أن الموت في سبيل الله أقوى ما يصبرون عليه ، ولكن نبه مع ذلك على أن هذا الصبر ينقلب شكرا عند ما يرى الشهيد كرامته بعد الشهادة ، وعند ما يوقن ذووه بمصيره من الحياة الأبدية ، فقوله : (وَلا تَقُولُوا) نهي عن القول الناشئ عن اعتقاد ، ذلك لأن الإنسان لا يقول إلّا ما يعتقد فالمعنى ولا تعتقدوا ، والظاهر أن هذا تكميل لقوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) [البقرة : ١٤٣] كما تقدّم من حديث البراء فإنه قال : «قتل أناس قبل تحويل القبلة» ، فأعقب قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) بأن فضيلة شهادتهم غير منقوصة.
وارتفع (أَمْواتٌ) على أنه خبر لمبتدإ محذوف أي لا تقولوا هم أموات.
و (بَلْ) للإضراب الإبطالي إبطالا لمضمون المنهي عن قوله ، والتقدير بل هم أحياء ، وليس المعنى بل قولوا هم أحياء لأن المراد إخبار المخاطبين هذا الخبر العظيم ،