ويجوز أن يكون الكلام مستعملا في النهي عن أخذ المال الخبيث ، فيكون الكلام منصرفا إلى غرض ثان وهو النهي عن أخذ المال الخبيث والمعنى لا تأخذوه ، وعلى كلا الوجهين هو مقتض تحريم أخذ المال المعلومة حرمته على من هو بيده ولا يحلّه انتقاله إلى غيره.
والإغماض إطباق الجفن ويطلق مجازا على لازم ذلك ، فيطلق تارة على الهناء والاستراحة لأنّ من لوازم الإغماض راحة النائم قال الأعشى :
عليك مثل الذي صلّيت فاغتمضي |
|
جفنا فإنّ لجنب المرء مضطجعا |
أراد فاهنئي. ويطلق تارة على لازمه من عدم الرؤية فيدل على التسامح في الأمر المكروه كقول الطرماح :
لم يفتنا بالوتر قوم وللضّ |
|
يم رجال يرضون بالإغماض |
فإذا أرادوا المبالغة في التغافل عن المكروه الشديد قالوا أغمض عينه على قذى ؛ وذلك لأنّ إغماض الجفن مع وجود القذى في العين. لقصد الراحة من تحرّك القذى ، قال عبد العزيز بن زرارة الكلائي (١) :
وأغمضت الجفون على قذاها |
|
ولم أسمع إلى قال وقيل |
والاستثناء في قوله : (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) على الوجه الأول من جعل الكلام إخبارا ، هو تقييد للنفي. وأما على الوجه الثاني من جعل النفي بمعنى النهي فهو من تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه أما لا تأخذوه إلّا إذا تغاضيتم عن النهي وتجاهلتموه.
وقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) تذييل ، أي غني عن صدقاتكم التي لا تنفع الفقراء ، أو التي فيها استساغة الحرام. حميد ، أي شاكر لمن تصدّق صدقة طيّبة. وافتتحه باعلموا للاهتمام بالخبر كما تقدم عند قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) [البقرة : ٢٢٣] ، أو نزّل المخاطبون الذين نهوا عن الإنفاق من الخبيث منزلة من لا يعلم أن الله
__________________
(١) الكلائي نسبة إلى الكلاء بوزن جبار محلة بالبصرة قرب الشاطئ. والكلاء الشاطي. وهذه الأبيات قالها بعد أن مكث عاما بباب معاوية لم يؤذن له ثم أذن له وأدناه وأولاه مصر ، وقبله :
دخلت على معاوية بن حرب |
|
ولكن بعد يأس من دخول |
وما نلت الدخول عليه حتى |
|
حللت محلة الرجل الذليل |