والنذر التزام قربة أو صدقة بصيغة الإيجاب على النفس كقوله عليّ صدقة وعليّ تجهيز غاز أو نحو ذلك ، ويكون مطلقا ومعلّقا على شيء. وقد عرفت العرب النذر من الجاهلية ، فقد نذر عبد المطلب أنّه إن رزق عشرة أولاد ليذبحنّ عاشرهم قربانا للكعبة ، وكان ابنه العاشر هو عبد الله ثاني الذبيحين ، وأكرم بها مزية ، ونذرت نتيلة زوج عبد المطلب ـ لما افتقدت ابنها العباس وهو صغير ـ أنّها إن وجدته لتكسونّ الكعبة الديباج ففعلت. وهي أول من كسا الكعبة الديباج. وفي حديث البخاري أنّ عمر بن الخطاب قال : «يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ، فقال أوف بنذرك».
وفي الأمم السالفة كان النذر ، وقد حكى الله عن امرأة عمران (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) [آل عمران : ٣٥]. والآية دلّت على مشروعيته في الإسلام ورجاء ثوابه ، لعطفه على ما هو من فعل الخير سواء كان النذر مطلقا أم معلّقا ، لأنّ الآية أطلقت ، ولأنّ قوله : (فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) مراد به الوعد بالثواب. وفي الحديث الصحيح عن عمر وابنه عبد الله وأبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «أنّ النذر لا يقدّم شيئا ولا يؤخّر ، ولا يردّ شيئا ولا يأتي ابن آدم بشيء لم يكن قدر له ، ولكنّه يستخرج به من البخيل». ومساقه الترغيب في النذر غير المعلّق لا إبطال فائدة النذر. وقد مدح الله عباده فقال : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) [الإنسان : ٧]. وفي «الموطأ» عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه».
و (من) في قوله : (مِنْ نَفَقَةٍ) و (مِنْ نَذْرٍ) بيان لما أنفقتم ونذرتم ، ولما كان شأن البيان أن يفيد معنى زائدا على معنى المبيّن ، وكان معنى البيان هنا عين معنى المبيّن ، تعيّن أن يكون المقصود منه بيان المنفق والمنذور بما في تنكير مجروري (من) من إرادة أنواع النفقات والمنذورات فأكّد بذلك العموم ما أفادته ما الشرطية من العموم من خير أو شر في سبيل الله أو في سبيل الطاغوت ، قال التفتازاني : «مثل هذا البيان يكون لتأكيد العموم ومنع الخصوص».
وقوله : (فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) كناية عن الجزاء عليه لأنّ علم الله بالكائنات لا يشك فيه السامعون ، فأريد لازم معناه ، وإنّما كان لازما له لأنّ القادر لا يصدّه عن الجزاء إلّا عدم العلم بما يفعله المحسن أو المسيء.
(وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ).