بمثل المميّز.
وقوله (هِيَ) مخصوص بالمدح ، أي الصدقات ، وقد علم السامع أنّها الصدقات المبدأة ، بقرينة فعل الشرط ، فلذلك كان تفسير المعنى فنعما إبداؤهما.
وقرأ ورش عن نافع وابن كثير وحفص ويعقوب فنعمّا ـ بكسر العين وتشديد الميم من نعم مع ميم ما ـ. وقرأه ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح النون وكسر العين. وقرأه قالون عن نافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم بكسر النون واختلاس حركة العين بين الكسر والسكون. وقرأه أبو جعفر بكسر النون وسكون العين مع بقاء تشديد الميم ، ورويت هذه أيضا عن قالون وأبي عمرو وأبي بكر.
وقوله : (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) تفضيل لصدقة السرّ لأنّ فيها إبقاء على ماء وجه الفقير ، حيث لم يطّلع عليه غير المعطي. وفي الحديث الصحيح ، عد من السبعة الذين يظلّهم الله بظلّه «... ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه» ، (يعني مع شدّة القرب بين اليمين والشمال ؛ لأنّ حساب الدراهم ومناولة الأشياء بتعاونهما ، فلو كانت الشمال من ذوات العلم لما اطلعت على ما أنفقته اليمين).
وقد فضّل الله في هذه الآية صدقة السرّ على صدقة العلانية على الإطلاق ، فإن حملت الصدقات على العموم ـ كما هو الظاهر ـ إجراء للفظ الصدقات مجرى لفظ الإنفاق في الآي السابقة واللّاحقة ـ كان إخفاء صدقة الفرض والنفل أفضل ، وهو قول جمهور العلماء ، وعن الكيا الطّبري أنّ هذا أحد قول الشافعي. وعن المهدوي : كان الإخفاء أفضل فيهما في زمن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم ساءت ظنون الناس بالناس فاستحسن العلماء إظهار صدقة الفرض ، قال ابن عطية : وهذا مخالف للآثار أنّ إخفاء الصدقة أفضل. فيكون عموم الصدقات في الآية مخصوصا بصدقة التطوّع ، ومخصّص العموم الإجماع ، وحكى ابن العربي الإجماع عليه. وإن أريد بالصدقات في الآية غير الزكاة كان المراد بها أخصّ من الإنفاق المذكور في الآي قبلها وبعدها ، وكان تفضيل الإخفاء مختصا بالصدقات المندوبة. وقال ابن عباس والحسن : إظهار الزكاة أفضل ، وإخفاء صدقة التطوّع أفضل من إظهارها وهو قول الشافعي.
وقوله : (وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ) ، توقّف المفسّرون في حكمة ذكره ، مع العلم بأنّ الصدقة لا تكون إلّا للفقراء ، وأنّ الصدقة المبداة أيضا تعطي للفقراء.