ويسقط على الأرض إذا أراد القيام ، فلما شبهت الهيئة بالهيأة جيء في لفظ الهيئة المشبه بها بالألفاظ الموضوعة للدلالة عليها في كلامهم وإلّا لما فهمت الهيئة المشبّه بها ، وقد عرف ذلك عندهم. قال الأعشى يصف ناقته بالنشاط وسرعة السير ، بعد أن سارت ليلا كاملا :
وتصبح عن غب السري وكأنّها |
|
ألمّ بها من طائف الجنّ أولق (١) |
والمسّ في الأصل هو اللمس باليد كقولها (٢) : «المسّ مس أرنب» ، وهو إذا أطلق معرّفا بدون عهد مسّ معروف دل عندهم على مسّ الجن ، فيقولون : رجل ممسوس أي مجنون ، وإنّما احتيج إلى زيادة قوله من المسّ ليظهر المراد من تخبّط الشيطان فلا يظنّ أنّه تخبّط مجازي بمعنى الوسوسة. و (من) ابتدائية متعلقة بيتخبّطه لا محالة.
وهذا عند المعتزلة جار على ما عهده العربي مثل قوله : «طلعها كأنّه رءوس الشياطين» ، وقول امرئ القيس :
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
إلّا أنّ هذا أثره مشاهد وعلته متخيّلة والآخران متخيّلان لأنّهم ينكرون تأثير الشياطين بغير الوسوسة. وعندنا هو أيضا مبني على تخييلهم والصرع إنّما يكون من علل تعتري الجسم مثل فيضان المرّة عند الأطبّاء المتقدمين وتشنّج المجموع العصبي عند المتأخرين ، إلّا أنّه يجوز عندنا أن تكون هاته العلل كلّها تنشأ في الأصل من توجّهات شيطانية ، فإنّ عوالم المجرّدات ـ كالأرواح ـ لم تنكشف أسرارها لنا حتى الآن ولعلّ لها ارتباطات شعاعية هي مصادر الكون والفساد.
وقوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) الإشارة إلى (كَما يَقُومُ) لأنّ ما مصدرية ، والباء سببية.
والمحكيّ عنهم بقوله : (قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) ، إن كان قولا لسانيا فالمراد به قول بعضهم أو قول دعاتهم وهم المنافقون بالمدينة ، ظنّوا بسوء فهمهم أنّ تحريم الربا
__________________
(١) يريد أنها بعد أن تسري الليل تصبح نشيطة لشدة قوتها بحيث لا يقل نشاطها. والغب بكسر الغين بمعنى عقب. وطائف الجن ما يحيط بالإنسان من الصرع والاضطراب قال تعالى : إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا. والأولق اسم مس الجن والفعل منه أولق بالبناء للمجهول.
(٢) في حديث أم زرع من «صحيح البخاري».