وفي الآية حجة على أنّ (ذو) تضاف لغير ما يفيد شيئا شريفا.
والنظرة ـ بكسر الظاء ـ الانتظار.
والميسرة ـ بضم السين في قراءة نافع وبفتحها في قراءة الباقين ـ اسم لليسر وهو ضدّ العسر ـ بضم العين ـ وهي مفعلة كمشرقة ومشربة ومألكة ومقدرة ، قال أبو علي ومفعلة بالفتح أكثر في كلامهم.
وجملة فنظرة جواب الشرط ، والخبر محذوف ، أي فنظرة له.
والصيغة طلب ، وهي محتملة للوجوب والندب. فإن أريد بالعسرة العدم أي نفاد ماله كلّه فالطلب للوجوب ، والمقصود به إبطال حكم بيع المعسر واسترقاقه في الدّين إذا لم يكن له وفاء. وقد قيل : إن ذلك كان حكما في الجاهلية وهو حكم قديم في الأمم كان من حكم المصريين ، ففي القرآن الإشارة إلى ذلك بقوله تعالى : (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) [يوسف : ٧٦]. وكان في شريعة الرومان استرقاق المدين ، وأحسب أن في شريعة التوراة قريبا من هذا ، وروي أنّه كان في صدر الإسلام ، ولم يثبت. وإن أريد بالعسرة ضيق الحال وإضرار المدين بتعجيل القضاء فالطلب يحتمل الوجوب ، وقد قال به بعض الفقهاء ، ويحتمل الندب ، وهو قول مالك والجمهور ، فمن لم يشأ لم ينظره ولو ببيع جميع ماله لأنّ هذا حق يمكن استيفاؤه ، والإنظار معروف والمعروف لا يجب. غير أن المتأخرين بقرطبة كانوا لا يقضون عليه بتعجيل الدفع ، ويؤجلونه بالاجتهاد لئلّا يدخل عليه مضرة بتعجيل بيع ما به الخلاص.
ومورد الآية على ديون معاملات الربا ، لكنّ الجمهور عمّموها في جميع المعاملات ولم يعتبروا خصوص السبب لأنّه لما أبطل حكم الربا صار رأس المال دينا بحتا ، فما عيّن له من طلب الإنظار في الآية حكم ثابت للدين كله. وخالف شريح فخصّ الآية بالديون التي كانت على ربا ثم أبطل رباها.
وقوله : (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) أي أنّ إسقاط الدين عن المعسر والتنفيس عليه بإغنائه أفضل ، وجعله الله صدقة لأنّ فيه تفريج الكرب وإغاثة الملهوف.
وقرأ الجمهور من العشرة (تَصَدَّقُوا) ـ بتشديد الصاد ـ على أنّ أصله تتصدّقوا فقلبت التاء الثانية صادا لتقاربهما وأدغمت في الصاد ، وقرأه عاصم بتخفيف الصاد على حذف إحدى التاءين للتخفيف.