فقلت : لم ترك الأستاذ هذا البيت؟ فقال : لعلّ القلم تجاوزه ، ثم رآني من بعد فاعتذر بعذر كان شرّا من تركه ؛ فقال : إنّما تركته لأنّه أعاد السيف أربع مرات ، قال الصاحب : لو لم يعده لفسد البيت ، قال الشيخ عبد القاهر : والأمر كما قال الصاحب ـ ثم قال ـ قاله أبو يعقوب : إنّ الكناية والتعريض لا يعملان في العقول عمل الإفصاح والتكشيف لأجل ذلك كان لإعادة اللفظ في قوله تعالى : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) [الإسراء : ١٠٥] وقوله : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، اللهُ الصَّمَدُ) [الصمد : ١ ، ٢] عمل لولاه لم يكن.
وقال الراغب : قد استكرهوا التكرير في قوله :
فما للنّوى جذّ النّوى قطع النّوى
حتى قيل : لو سلّط بعير على هذا البيت لرعى ما فيه من النّوى ، ثم قال : إنّ التكرير المستحسن هو تكرير يقع على طريق التعظيم ، أو التحقير ، في جمل متواليات كلّ جملة منها مستقلة بنفسها ، والمستقبح هو أن يكون التكرير في جملة واحدة أو في جمل في معنى ، ولم يكن فيه معنى التعظيم والتحقير ، فالراغب موافق للأستاذ ابن العميد ، وعبد القاهر موافق للصاحب بن عباد ، قال المرزوقي في شرح الحماسة (١) عند قول يحيى بن زياد :
لمّا رأيت الشيب لاح بياضه |
|
بمفرق رأسي قلت للشيب مرحبا |
«كان الواجب أن يقول : قلت له مرحبا ، لكنّهم يكرّرون الأعلام وأسماء الأجناس كثيرا والقصد بالتكرير التفخيم».
واعلم أنّه ليس التكرير بمقصور على التعظيم بل مقامه كلّ مقام يراد منه تسجيل انتساب الفعل إلى صاحب الاسم المكرّر ، كما تقدّم في بيتي الحماسة : «اللؤم أكرم من وبر» إلخ.
وقد وقع التكرير متعاقبا في قوله تعالى في سورة آل عمران [٧٨] : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً
__________________
(١) في باب الأدب من ديوان الحماسة.