الخدري.
ومحمل قولهم وقول أبي سعيد ـ إن صحّ ذلك عنه ـ أنّهم عنّوا بالنسخ تخصيص عموم الأحوال والأزمنة. وتسمية مثل ذلك نسخا تسمية قديمة.
أمّا الذين يرون وجوب الكتابة والإشهاد بالديون حكما محكما ، ومنهم الطبري ، فقصروا آية (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) الآية على كونها تكملة لصورة الرهن في السفر خاصة ، كما صرّح به الطبري ولم يأت بكلام واضح في ذلك ولكنّه جمجم الكلام وطواه.
ولو أنّهم قالوا : إنّ هذه الآية تعني حالة تعذّر وجود الرهن في حالة السفر ، أي فلم يبق إلّا أن يأمن بعضكم فالتقدير : فإن لم تجدوا رهنا وأمن بعضكم بعضا إلى آخره لكان له وجه ، ويفهم منه أنّه إن لم يأمنه لا يداينه ، ولكن طوى هذا ترغيبا للناس في المواساة والاتّسام بالأمانة. وهؤلاء الفرق الثلاثة كلّهم يجعلون هذه الآية مقصورة على بيان حالة ترك التوثّق في الديون.
وأظهر ممّا قالوه عندي : أنّ هذه الآية تشريع مستقلّ يعم جميع الأحوال المتعلّقة بالديون : من إشهاد ، ورهن ، ووفاء بالدّين ، والمتعلّقة بالتبايع ، ولهذه النكتة أبهم المؤتمنون بكلمة بعض ليشمل الائتمان من كلا الجانبين : الذي من قبل ربّ الدين ، والذي من قبل المدين.
فربّ الدين يأتمن المدين إذا لم ير حاجة إلى الإشهاد عليه ، ولم يطالبه بإعطاء الرهن في السفر ولا في الحضر.
والمدين يأتمن الدائن إذا سلّم له رهنا أغلى ثمنا بكثير من قيمة الدين المرتهن فيه ، والغالب أنّ الرهان تكون أوفر قيمة من الديون التي أرهنت لأجلها ، فأمر كلّ جانب مؤتمن أن يؤدّي أمانته ، فأداء المدين أمانته بدفع الدين ، دون مطل ، ولا جحود ، وأداء الدائن أمانته إذا أعطي رهنا متجاوز القيمة على الدّين أن يردّ الرهن ولا يجحده غير مكترث بالدّين ؛ لأنّ الرهن أوفر منه ، ولا ينقص شيئا من الرهن.
ولفظ الأمانة مستعمل في معنيين : معنى الصفة التي يتّصف بها الأمين ، ومعنى الشيء المؤمّن.
فيؤخذ من هذا التفسير إبطال غلق الرهن : وهو أن يصير الشيء المرهون ملكا لربّ الدّين ، إذا لم يدفع الدين عند الأجل ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا يغلق الرهن» وقد كان غلق