الروايتين ، وهي ترجع إلى حمل المجمل على المبيّن.
وقال النووي : تأوّله بعض العلماء بأنّ ذم الشهادة قبل أن يسألها الشاهد هو في الشهادة بحقوق الناس بخلاف ما فيه حق الله قال النووي : «وهذا الجمع هو مذهب أصحابنا» وهذه طريقة ترجع إلى إعمال كل من الحديثين في باب ، بتأويل كلّ من الحديثين على غير ظاهره ؛ لئلا يلغى أحدهما.
قلت : وبنى عليه الشافعية فرعا بردّ الشهادة التي يؤدّيها الشاهد قبل أن يسألها ، ذكره الغزالي في «الوجيز» ، والذي نقل ابن مرزوق في «شرح مختصر خليل عن الوجيز» «الحرص على الشهادة بالمبادرة قبل الدعوى لا تقبل ، وبعد الدعوى وقبل الاستشهاد وجهان فإن لم تقبل فهل يصير مجروحا وجهان».
فأما المالكية فقد اختلف كلامهم.
فالذي ذهب إليه عياض وابن مرزوق أنّ أداء الشاهد شهادته قبل أن يسألها مقبول
لحديث «الموطأ» «خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها» ونقل الباجي عن مالك : «أنّ معنى الحديث أن يكون عند الشاهد شهادة لرجل لا يعلم بها ، فيخبره بها ، ويؤدّيها له عند الحاكم» فإنّ مالكا ذكره في «الموطأ» ولم يذيّله بما يقتضي أنّه لا عمل عليه ـ وتبع الباجي ابن مرزوق في «شرحه لمختصر خليل» ، وادّعى أنّه لا يعرف في المذهب ما يخالفه والذي ذهب إليه ابن الحاجب ، وخليل ، وشارحو مختصريهما : أنّ أداء الشهادة قبل أن يطلب من الشاهد أداؤها مانع من قبولها : قال ابن الحاجب «وفي الأداء يبدأ به دون طلب فيما تمحّض من حق الآدمي قادحة» وقال خليل ـ عاطفا على موانع قبول الشهادة ـ : «أو رفع قبل الطلب في محض حقّ الآدمي». وكذلك ابن راشد القفصي في كتابه «الفائق في الأحكام والوثائق» ونسبه النووي في «شرحه على صحيح مسلم لمالك» ، وحمله على أنّ المستند متّحد وهو إعمال حديث أبي هريرة ولعلّه أخذ نسبة ذلك لمالك من كلام ابن الحاجب المتقدّم.
وادّعى ابن مرزوق أنّ ابن الحاجب تبع ابن شاس إذ قال : «فإن بادر بها من غير طلب لم يقبل» وأنّ ابن شاس أخذه من كلام الغزالي قال : «والذي تقتضيه نصوص المذهب أنّه إنّ رفعها قبل الطلب لم يقدح ذلك فيها بل إن لم يكن فعله مندوبا فلا أقلّ من أن لا تردّ» واعتضد بكلام الباجي في شرح حديث : خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها.