الجنس ، والحقّ أنّ المفرد والجمع سواء في إرادة الجنس ، ألا تراهم يقولون : إنّ الجمع في مدخول أل الجنسية صوري ، ولذلك يقال : إذا دخلت أل الجنسية على جمع أبطلت منه معنى الجمعية ، فكذلك كل ما أريد به الجنس كالمضاف في هاتين القراءتين ، والإضافة تأتي لما تأتي له اللام ، وعن ابن عباس أنّه قال ، لما سئل عن هذه القراءة : «كتابه أكثر من كتبه ـ أو ـ الكتاب أكثر من الكتب» فقيل أراد أنّ تناول المفرد المراد به الجنس أكثر من تناول الجمع حين يراد به الجنس ، لاحتمال إرادة جنس الجموع ، فلا يسري الحكم لما دون عدد الجمع من أفراد الجنس ، ولهذا قال صاحب «المفتاح» «استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع». والحقّ أنّ هذا لا يقصده العرب في نفي الجنس ولا في استغراقه في الإثبات. وأنّ كلام ابن عباس ـ إن صح نقله عنه ـ فتأويله أنّه أكثر لمساواته له معنى ، مع كونه أخصر لفظا ، فلعلّه أراد بالأكثر معنى الأرجح والأقوى.
وقوله : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) قرأه الجمهور بنون المتكلم المشارك ، وهو يحتمل الالتفات : بأن يكون من مقول قول محذوف دل عليه السياق وعطف (وَقالُوا) عليه. أو النون فيه للجلالة أي آمنوا في حال أنّنا أمرناهم بذلك ، لأنّنا لا نفرّق فالجملة معترضة. وقيل : هو مقول لقول محذوف دل عليه آمن ؛ لأنّ الإيمان اعتقاد وقول. وقرأه يعقوب بالياء : على أنّ الضمير عائد على (كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ).
والتفريق هنا أريد به التفريق في الإيمان به والتصديق : بأن يؤمن ببعض ويكفر ببعض.
وقوله : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) تقدم الكلام على نظيره عند قوله تعالى : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة : ١٣٦].
(وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) عطف على (آمَنَ الرَّسُولُ) والسمع هنا كناية عن الرضا ، والقبول ، والامتثال ، وعكسه لا يسمعون أي لا يطيعون وقال النابغة :
تناذرها الرّاقون من سوء سمعها
أي عدم امتثالها للرّقيا. والمعنى : إنّهم آمنوا ، واطمأنّوا وامتثلوا ، وإنّما جيء بلفظ الماضي ، دون المضارع ، ليدلوا على رسوخ ذلك ؛ لأنّهم أرادوا إنشاء القبول والرضا ، وصيغ العقود ونحوها تقع بلفظ الماضي نحو بعت.
وغفرانك نصب على المفعول المطلق : أي اغفر غفرانك ، فهو بدل من فعله.