تجري في البحر ، وفي كونها نعمة من حيث إنها تجري بما ينفع الناس ، فأما جريها في البحر فهو يتضمن آيتين ، إحداهما آية خلق البحر الذي تجري فيه الفلك خلقا عجيبا عظيما إذ كان ماء غامرا لأكثر الكرة الأرضية وما فيه من مخلوقات وما ركب في مائه من الأملاح والعقاقير الكيمياوية ليكون غير متعفن بل بالعكس يخرج للهواء أجزاء نافعة للأحياء على الأرض ، والثانية آية سير السفن فيه وهو ماء من شأنه أن يتعذر المشي عليه فجري السفن آية من آيات إلهام الله تعالى الإنسان للتفطن لهذا التسخير العجيب الذي استطاع به أن يسلك البحر كما يمشي في الأرض ، وصنع الفلك من أقدم مخترعات البشر ألهمه الله تعالى نوحا عليهالسلام في أقدم عصور البشر.
ثم إن الله تعالى سخر للفلك الرياح الدورية وهي رياح تهب في الصباح إلى جهة وفي المساء إلى جهة في السواحل تنشأ عن إحياء أشعة الشمس في رابعة النهار الهواء الذي في البر حتى يخف الهواء فيأتي هواء من جهة البحر ليخلف ذلك الهواء البري الذي تصاعد فتحدث ريح رخاء من جهة البحر ويقع عكس ذلك بعد الغروب فتأتي ريح من جهة البر إلى البحر ، وهذه الريح ينتفع بها الصيادون والتجار وهي تكون أكثر انتظاما في مواقع منها في مواقع أخرى.
وسخر للفلك رياحا موسمية وهي تهب إلى جهة واحدة في أشهر من السنة وإلى عكسها في أشهر أخرى تحدث من اتجاه حرارة أشعة الشمس على الأماكن الواقعة بين مدار السرطان ومدار الجدي ، من الكرة الأرضية عند انتقال الشمس من خط الاستواء إلى جهة مدار السرطان وإلى جهة مدار الجدي ، فتحدث هاته الريح مرتين في السنة وهي كثيرة في شطوط اليمن وحضر موت والبحر الهندي وتسمى الريح التجارية.
وأما كونها نعمة فلأن في هذا التسخير نفعا للتجارة والزيارة والغزو وغير ذلك ولذلك قال بما ينفع الناس لقصد التعميم مع الاختصار.
والفلك هنا جمع لا محالة لأن العبرة في كثرتها ، وهو ومفرده سواء في الوزن فالتكسير فيه اعتباري وذلك أن أصل مفرده فلك بضمتين كعنق وكسر على فلك مثل عرب وعجم وأسد وخفف المفرد بتسكين عينه لأن ساكن العين في مضموم الفاء فرع مضموم العين ما قصد منه التخفيف على مت بينه الرضي فاستوى في اللفظ المفرد والجمع ، وقيل المفرد بفتح الفاء وسكون اللام والجمع بضم الفاء وضم اللام قيل أسد وأسد وخشب وخشب ثم سكنت اللام تخفيفا ، والاستعمال الفصيح في المفرد والجمع ضم الفاء