وسكون اللام قال تعالى : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ) [هود : ٣٧]. و (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) [الشعراء : ١١٩] وقال (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) وقال (وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) [إبراهيم: ٣٢] ، (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ) [يونس : ٢٢] ، ثم إن أصل مفرده التذكير قال تعالى : (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) ويجوز تأنيثه على تأويله بمعنى السفينة قال تعالى : (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها) [هود : ٤١] (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ) [هود : ٤٢] كل ذلك بعد قوله: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) [هود : ٣٨].
وكأن هذا هو الذي اعتمده ابن الحاجب إذ عد لفظ الفلك مما أنث بدون تاء ولا ألف فقال في قصيدته «والفلك تجري وهي في القرآن» لأن العبرة باستعماله مؤنثا وإن كان تأنيثه بتأويل ، وقد قيل إنه يجوز في مفرده فقط ضم اللام مع ضم الفاء وقرئ به شاذا والقول به ضعيف ، وقال الكواشي هو بضم اللام أيضا للمفرد والجمع وهو مردود إذ لم ينص عليه أهل اللغة ولا داعي إليه وكأنه قاله بالقياس على الساكن.
وفي امتنان الله تعالى بجريان الفلك في البحر (١) دليل على جواز ركوب البحر من غير ضرورة مثل ركوبه للغزو والحج والتجارة ، وقد أخرج مالك في «الموطأ» (٢) وتبعه أهل «الصحيح» حديث أم حرام بنت ملحان في باب الترغيب في الجهاد الثاني من «الموطأ» عن أنس بن مالك رضياللهعنه قال «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ... فنام يوما ثم استيقظ وهو يضحك قالت فقلت ما يضحكك قال ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة قالت فقلت ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها» الحديث. وفي حديث أبي هريرة «جاء رجل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء» الحديث.
وعليه فما روي عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى عمرو بن العاص أن لا يحمل جيش المسلمين في البحر مؤول على الاحتياط وترك التغرير (٣) وأنا أحسبه قد قصد منه
__________________
(١) ذكر ذلك القرطبي في شرحه للآية ، وفي مواضع أخر في (٧ / ٣٤١ ، ٨ / ٣٢٥).
(٢) في ٢١ «كتاب الجهاد» (١٨) ، باب الترغيب في الجهاد ، حديث ٣٩. وأخرجه البخاري في : (٥٦) ، «كتاب الجهاد» (٣) ، باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء ومسلم في : (٣٣) «كتاب الإمارة» (٤٩) ، باب فضل الغزو في البحر ، حديث (١٦٠).
(٣) قاله القرطبي في (٢ / ١٩٥).