أسباب المحبة وجدوها مفقودة كما قال إبراهيم عليهالسلام : (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) [مريم : ٤٢] مع ما في هذه الحال من زيادة موجب الإنكار.
وقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) أي أشد حبّا لله من محبة أصحاب الأنداد أندادهم ، على ما بلغوا من التصلب فيها ، ومن محبة بعضهم لله ممن يعترف بالله مع الأنداد ، لأن محبة جميع هؤلاء المحبين وإن بلغوا ما بلغوا من التصلب في محبوبيهم لمّا كانت محبة مجردة عن الحجة لا تبلغ مبلغ أصحاب الاعتقاد الصميم المعضود بالبرهان ، ولأن إيمانهم بهم لأغراض عاجلة كقضاء الحاجات ودفع الملمات بخلاف حب المؤمنين لله فإنه حب لذاته وكونه أهلا للحب ثم يتبع ذلك أغراض أعظمها الأغراض الآجلة لرفع الدرجات وتزكية النفس.
والمقصود تنقيص المشركين حتى في إيمانهم بآلهتهم فكثيرا ما كانوا يعرضون عنها إذا لم يجدوا منها ما أمّلوه. فمورد التسوية بين المحبتين التي دل عليها التشبيه مخالف لمورد التفضيل الذي دل عليه اسم التفضيل هنا ، لأن التسوية ناظرة إلى فرط المحبة وقت خطورها ، والتفضيل ناظر إلى رسوخ المحبة وعدم تزلزلها ، وهذا مأخوذ من كلام «الكشاف» ومصرح به في كلام البيضاوي مع زيادة تحريره ، وهذا يغنيك عن احتمالات وتمحلات عرضت هنا لبعض المفسرين وبعض شراح «الكشاف».
روي أن إمرأ القيس لما أراد قتال بني أسد حين قتلوا أباه حجرا ملكهم مر على ذي الخلصة الصّنم الذي كان بتبالة بين مكة واليمن فاستقسم بالأزلام التي كانت عند الصّنم فخرج له القدح الناهي ثلاث مرات (١) فكسر تلك القداح ورمى بها وجه الصّنم وشتمه وأنشد :
لو كنت يا ذا الخلص الموتورا |
|
مثلي وكان شيخك المقبورا |
لم تنه عن قتل العداة زورا |
ثم قصد بني أسد فظفر بهم.
وروي أن رجلا من بني ملكان جاء إلى سعد الصّنم بساحل جدّة وكان معه إبل __________________
(١) ذو الخلصة بضم الخاء وفتح اللام صنم كان لخثعم وزبيد ودوس وهوازن ، وهو صخرة قد نقشت فيها صورة الخلصة والخلصة زهرة معروفة ، وكان عند ذي الخلصة أزلام ثلاثة يستقسمون بها وهي الناهي والآمر والمرتضى. وذو الخلصة هدمه جرير بن عبد الله البجلي بإذن من صلىاللهعليهوسلم.